مجلة العلماء الأفارقة

مجلة العلماء الأفارقة مجلة علمية نصف سنوية محكمة تعنى بالدراسات الإسلامية والثوابت المشتركة بين البلدان الإفريقية تصدرها مؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة. تنشر فيها مقالات علمية تخدم أهداف المؤسسة المنصوص عليها في الظهير الشريف الصادر بشأنها

جهود العلماء الأفارقة في خدمة الثوابت الدينية المشتركة

Slider

واقع المرأة الإفريقية المسلمة في المؤسسات الإسلامية والتربوية: نيجيريا نموذجا

د. مرتضى بوصيري
جمعية خدام الإسلام للدراسات العربية والإسلامية- نيجيريا

مقدمة

الحمد لله الذي خلقنا من ذكر وأنثى القائل في كتابه العزيز: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا﴾[1] الآية. والصلاة والسلام على رسول الله سيدنا محمد الذي أوصى بالنساء خيرا، فمن خطبته في حجة الوداع قوله: (واستوصوا بالنساء خيرا، فإنما هن عوان عندكم)[2]، وقوله

صلى الله عليه وسلم: (فَاتَّقُوا اللَّهَ فِي النِّسَاءِ فَإِنَّكُمْ أَخَذْتُمُوهُنَّ بِأَمَانَةِ اللَّهِ)[3].

أما بعد، فإن للمرأة في المجتمع شأنا لا ينكر ولا يجحد، إذ إن المرأة نصف الإنسان، وهي أيضا مؤسسة للنصف الآخر: فهي الزوجة والأم والأخت والبنت والعمة والخالة، وهي شريكة الرجل في الحياة ورفيقته في الخدمات.

وللمرأة دور عظيم في تحقيق مقاصد الحياة البشرية من العبادات والمعاملات والحركات الإنسانية وغيرها من الخدمات الإسلامية، وحتى في تنشئة الأجيال على أسس التعاليم الإسلامية الصحيحة. وهذه مسؤولية يستوي فيها الرجل المسلم والمرأة المسلمة، وذلك القيام بإعداد الولد أو البنت، وتربيتهم وحملهم على السلوك الإسلامي في كل الجوانب مما يتعلق بحياتهم الدنيوية والأخروية من النواحي الإيمانية والخلقية والعقلية والنفسية والتصرفية والنظرية وغيرها. قال تعالى: ﴿وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا﴾[4]. الآية.

يحتوي القرآن على عدة دروس وإرشادات حول قيام المرأة بمسؤولية التربية من أمثال عطف أم موسى عليه؛ ﴿وَقَالَتْ لِأخْتِهِ قُصِّيهِ﴾[5]، واهتمام امرأة عمران بتربية الولد على طاعة اَلله؛ ﴿إِذْ قَالَتِ امْرَأَتُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾[6].

على كل حال، فإن التاريخ الإسلامي قدم العديد من الشخصيات النسوية أسهمت في صناعة الحضارة الإسلامية والخدمات الاجتماعية، وفي إثراء البعد الروحي والعلمي والحضاري، وكذلك دورهن في الترقي الأخلاقي والمعرفي، إلا أنه يقال: الجانب الذكوري أكثر من الجانب الأنثوي. ومع ذلك نجد إسهاما لامعا لعدد من الصحابيات ومن سبقنهن من صالحات الأمم السابقة، ومن نهجن نهجهن من النساء بعدهن إلى وقتنا الحاضر، وعلى الخصوص النساء الإفريقيات اللاتي نحن بصدد دراسة حضورهن في الشأن الديني والواجب التربوي.

بناء على ذلك، فهذه الدراسة تعدّ إسهاما متواضعا في بيان واقع المرأة الإفريقية المسلمة في المؤسسات الإسلامية والتربوية: نيجيريا نموذجا. وهي تدور على النقاط التالية بعد المقدمة:

  • مكانة المرأة المسلمة وحضورها في الشؤون الإسلامية والتربوية في التاريخ الإسلامي.
  • دور المرأة الإفريقية المسلمة في الشأن الديني والتربوي.
  • واقع المرأة النيجيرية المسلمة في الشأن الديني والواجب التربوي.
  • الخاتمة

مكانة المرأة المسلمة وحيويتها في الشؤون الإسلامية والتربوية في التاريخ الإسلامي

إن للمرأة في الإسلام لشأن عظيم وكريم، لأنه لم نسمع في التاريخ دينا ولا تقليدا كرّم المرأة مثل ما كرمها الإسلام وحرّرها من القيود اللاإنسانية. فهذا القرآن يخاطبها وَيساويها في الخطاب مع الرجل. ننظر إلى قوله تعالى: ﴿وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أوْلِيَاءُ بَعْضٍ﴾[7] الآية. والحديث النبوي يقول: (النساء شقائق الرجال)[8].

والإسلام دين الفطرة، يساوي بين الرجل والمرأة لأنها إنسان في الأصل مثل الرجل، يشتركان في وظيفة واحدة هي الإعمار والاستخلاف في الأرض، لذلك نرى القرآن عدل بين الرجل والمرأة في الوظيفة الدينية والخدمات الاجتماعية دون التفريق بين الجنسين، إذ الخطاب القرآني موجه إليهما.

ومن اهتمام القرآن بالمرأة أن كلمة “المرأة” في القرآن كررت ستا وعشرين مرة، وكلمة “النساء” تسعا وخمسين مرة، في حين أن كلمة “إنسان” تكررت سبعين مرة، وكلمة “ابن آدم” خمسا وعشرين مرة[9].

ومن خلال هذه الأرقام يظهر أن القرآن الكريم توجه إلى المرأة كإنسان في أكثر من خمسة وتسعين موضعا، في حين خصّها كامرأة في خمسة وثمانين موضعا. فتبين بذلك أن الله تعالى خاطبها كإنسان في أكثر من موضع، لأن الرجل والمرأة في التصور الإسلامي سيان في التكليف والمسؤولية والجزاء.

ومن ثم، فإن المرأة في الإسلام مناطة بوظيفة تفعيل وصياغة إحدى شروط الحضارة؛ وهي الإنسان باعتبارها إنسانا، وباعتبارها مؤسسة الإنسان إذ يتربى في أحضانها، وهو ما ذكره الدكتور راشد الغنوشي في تعريفه للمرأة، فقال: المرأة نصف المجتمع والنصف الآخر يتربى في أحضانها، ومثلما للمرأة واجبات تجاه المجتمع، فإن الإسلام أقر لها مجموعة من الحقوق؛ منها: المساواة في الإنسانية، وحرية التعاقد في العلاقات الاقتصادية كالبيع والاجتماعية كالزواج، وحق العلم، وحق التعلم، وحق التملك، وحق الميراث، وحق العمل..

وقد ترجم الحافظ ابن حجر في كتابه “الإصابة في تمييز الصحابة” لثلاث وأربعين وخمسمائة وألف امرأة منهن الفقيهات والمحدثات والأديبات، وذكر كل من الإمام النووي في كتابه “تهذيب الأسماء واللغات”، والسخاوي في كتابه “الضوء اللامع لأهل القرن التاسع”، وعمر رضا كحالة في “أعلام النساء في عالمي العرب والإسلام، “وغيرهم في عدد من المصنفات والكتب تراجم لنساء عالمات في الحديث والفقه والتفسير والأدب والشعر.

فأول من أسهمت في العلم الشرعي هي أم المؤمنين عائشة– رضي الله عنها- التي كانت من أعلم الناس بالقرآن والفرائض والفقه. فقد اختارها الرسول– صلى الله عليه وسلم- زوجة له، لتكون معلمة لنساء العالمين قاطبة. كما أسهمت الصحابيات في نقل الأحاديث النبوية وروايتها بما فيهن بالدرجة الأولى أمهات المؤمنين.

كذلك نجد العالمة السيدة فاطمة بنت الحسين بن علي التي كانت من أنبغ بنات عصرها وأكثرهن علما وورعا، فأسهمت في تدوين السيرة النبوية الشريفة، إذ اعتمد على روايتها كل من ابن إسحاق وابن هشام في كتابه السيرة، وغيرهن كثير.

دور المرأة الإفريقية المسلمة في الشأن الديني والتربوي

إن إفريقيا طافحة حافلة بنماذج متميزة من النساء المتألقات اللاتي قدّمن شواهد دالة على حضور المرأة في الشأن الديني والواجب التربوي، واللاتي أسهمن في مجال الفقه والحديث والتفسير والسيرة والطب والشعر أمثال العالمة فاطمة الفهرية (تـ حوالي 265هـ) في الغرب الإسلامي التي بنت جامع القرويين في فاس في القرن الثالث الهجري، فقد كانت عالمة فاضلة محسنة، وجعلت مالها وقفا لخدمة العلم والدين. ومن تلك النماذج الخالدة في شمال أفريقيا ولية الله المغربية لالة عزيزة تاكرامت [10]بنت إبراهيم السكساوية الشيشاوية (كانت حية في القرن الثامن الهجري). وفي الركن الشمالي الشرقي من قارة أفريقيا الأستاذة الجامعية والمفكرة المصرية عائشة بنت الشاطئ[11] (تـ 1419هـ)، وفي غربها العالمة السنغالية الحاجة رقية [12] بنت الشيخ إبراهيم انياس الكولخي، وخادمة القرآن الشيخة مريم[13] (تـ 1442هـ) بنت الشيخ إبراهيم انياس، وفي نيجيريا بشمالها بنات الشيخ عثمان بن فودي عامة، وخاصة العالمة الفقيهة والشاعرة المفلقة نانا أسماء[14] (تـ 1280هـ) بنت الشيخ عثمان بن فودي.

ولا تخلو بلاد اليوربا بجنوب نيجيريا من هذه النماذج الساطعة التي لها مناقب وقدرات وكفاءات تؤهلها لاتخاذ مواقف ذات أبعاد ووجوه تبرز حضورها الفعال في مجالات متعددة خدمة للشؤون الدينية والواجبات التربوية.

واقع المرأة النيجيرية المسلمة في الشأن الديني والواجب التربوي

إن الحديث عن المرأة الأفريقية وحضورها في تدبير الشأن الديني والواجب التربوي حديث ذو شجون، مجاله رحب، يثير المشاعر ويحرك العواطف. ولما كانت أفريقيا قارة واسعة من حيث المساحة وعدد سكانها، فلا يمكن إصدار حكم محدد على كلها أو وصفها بصفة معينة تنطبق على جميع أجزائها، سوى ما ثبت علميا أن أجزاءها اشتركت فيها. ولأجل ذلك، فإن أحوال نساء أفريقيا في أقطارها مختلفة، والظروف التي يعشْنَ فيها متباينة. ومن ثم، فالمقصود بالمرأة الإفريقية في هذه المقالة هي المرأة الإفريقية النيجيرية.

وقد أشرنا إلى أن الإسلام قد أعطى المرأة المسلمة المشاركة إلى جانب أخيها الرجل المسلم في تدبير الشؤون الدينية وتأدية الواجبات التربوية، كما في قوله تعالى:

﴿وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾[15].

وقد ثبت في الصحيحين أن “امرأة جاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله، ذهب الرجال بحديثك، فاجعل لنا من نفسك يوما نأتيك فيه تعلمنا مما علمك الله، فقال: «اجتمعن في يوم كذا وكذا في مكان كذا وكذا.» فاجتمعن، فأتاهن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فعلمهن مما علمه الله”[16].

وقد روى الترمذي (تـ 279هـ) أن أم عمارة الأنصارية– رضي الله عنها- أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: ما أرى كل شيء إلا للرجال، وما أرى النساء يُذكَرْن بشيء فنزلت هذه الآية: ﴿إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأجْرًا عَظِيمًا﴾[17]. [18] وليست المرأة الأفريقية النيجيرية المسلمة استثناء من هذه السمة المميزة والميزة المتميزة، لأن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب.

لكن ثقافة البيئة النيجيرية أو الثقافات السابقة التي تسربت إليها، جعلت المرأة من الأدوات التي تحرف الإنسان عن العدل لارتباطها بالغريزة الجنسية. فنجد من الوصايا التي كتبها الشيخ المغيلي (تـ909هـ) للسلطان النيجيري محمد رنفا (تـ904هـ) -فيما يجوز للحكام في باب التزام الحذر- أنه يحذره من النساء حيث قال: “ويجب عليه أن يلتزم الحذر في الحضر والسفر بإظهار القوة والجلد والزَهد عن النساء والولد لئلا يمنعه ذلك عن العدل، قال تعالى: ﴿إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ﴾ [19][20].

وهذا لا يعني أن نساء نيجيريا كلهن عاجزات عن تدبير الشأن الديني والواجب التربوي أو منفصلات تمام الفصل عنه، لوجود تاريخ لشخصيات ومربيات عِشْنَ قبل قرن الشيخ عثمان بن فودي (تـ 1817م)، أمثال الملكة أمينة الزارية (تـ 1610م) التي كانت أول ملكة تحكم في مجتمع ساد فيه الرجال، وكالسيدة أم هانئ التي كانت داعية كبيرة[21]، بل بوجود عالمات في عصر الشيخ المغيلي نفسه اللاتي تخرجن على مصنفاته وإرشاداته وأمثاله. وقد ذكر ذلك الشيخ عبد الله بن فودي في كتابه “إبداع النسوخ فيمن أخذت منه من الشيوخ” أنه وشقيقه الشيخ عثمان بن فوديو تتَلْمَذَا عند جدته نانا رقية، وأمه نانا السيدة حواء.

ولذلك، فلا ينبغي أن تقصر الأم في الواجب التربوي الذي يجب عليها أن تؤديه لأولادها، لأنها إذا قصرت وشغَلت نفسها بما لا يستفيدون منها، فسينشؤون نشأة اليتامى، وقد يكونون بسبب ذلك فسادا للأمة قاطبة[22].

ولله در الشاعر أحمد شوقي إذ يقول:

وإذا النسـاء نشأن في أميـة رضع الرجـال جهـالة وخمولا

ليس اليتيم من انتهى أبواه من هـمِّ الحيـاة وخَلّفـاه ذليـلا

فأصاب بالدنيا الحكيمة منهما وبحسـن تربيـة الزمـان بديـلا

إن اليتي ـم هو الذي تلقـى له    أُمًّـا تخلـت أو أبـا مشغـولا[23]

وفي عهد الشيخ عثمان بن فوديو، عرفت نيجيريا ازدهارا دينيا إصلاحيا اقتصاديا سياسيا ونحوه، وقد خصص الشيخ بن فوديو للنساء أوقاتا لتعليمهن الشؤون الدينية، فآخذه على ذلك بعض العلماء منهم الشيخ غوني Gwani ظنا منه أن الشيخ بن فوديو خلط الرجال بالنساء في المهمة، فكتب له أبياتا يقول فيها:

أيا ابن فوديو قم وأنذر أولي الجهل    لعلهم يفقهون الدين والدونا

فامنع زيـارة نسـوان لوعظك إذ    خلط الرجال بنسوان كفى شينا

فلما اطلع الشيخ عثمان عليها، أمر شقيقَه الشيخَ عبد الله أن يجيبه، فرد عليه قائلا:

يا أيهـا ذا الذي قد جـاء يرشدنـا ** سمعا لما قلت فاسمع أنت ما قلنا

نصحت جهدك لكن ليت تعذرنا ** وقلت: سبحان! هذا ك ـان بهتانا

إن الشياطين إن جاؤوا لمجلسنا ** هم يبثون سوء القول طغيانـا

لسنا نخالط بالنسوان كيف! وذا ** كنـا نحذر لكن قلت: سلمنـا

إن كـان ذاك، ولكن لا أسلم أن ** يُتْركن بالجهـل هملا كان إحسانا

إذ ارتكـاب أخف الضر قد خُتما ** يكفّر الجهـل إن ذا كان عصيانا

هذي البلاد وجدنا قومها غرقوا ** في الجهل تمنعهم أن يفقهوا الدينا[24]

وقد شهدت جنوب نيجيريا بالخصوص مجموعة من النساء اللاتي تصدين لبناء المساجد، وخصصن شقة منها لتعليم الصبيان القرآن وتثقيفهم، وتربية النساء في أمور الدين، وكيفية تدبير شؤون فريضة الحج، بالإضافة إلى عدد من النساء اللاتي مهامهن تدريس اللغة العربية والدراسات الإسلامية في المدارس الحكومية والخاصة من المرحلة الابتدائية إلى المرحلة الجامعية.

نذكر على سبيل المثال لا الحصر بعض النماذج الدالة على ما تحظى به المرأة المسلمة من الحركات والإسهامات في الأمر الديني والواجب التربوي في جنوب نيجيريا.

ويقاس عليها غيرها:

  • منهن الحاجة إيا ألاشوْأَوْكَيْ “Iya Alashooke”؛ التي بنتْ مسجدا من أقدم المساجد بولاية لاغوس، وسمته باسمها “مسجد إيا ألاشوْأَوْكَيْ”.
  • ومنهن الحاجة طيبة يوسف أدينيجي: كانت معلمة مسلمة تربوية محسنة وصوفية (ت2015م)، وهي أول امرأة أسست مدرسة خاصة بولاية لاغوس منذ عام 1979م، للتعليم الإسلامي والعصري معا باللغات الثلاث: العربية والإنجليزية والفرنسية، وتقديم منح دراسية للطلاب والطالبات داخل الوطن وخارجه. وقد حصلت الحاجة على جائزة التميز في الخدمة من قبل الحكومة الاتحادية النيجيرية في عام 1993م. ومما فعلت أنها أنشأت منظمة غير حكومية، أسمتها مؤسسة طيبة الإسلامية. وشكلت مدينة ذات طبقة اجتماعية سمتها “مدينة” بباغادا، لاغوس.

وقد نظمت عدة رحلات علمية تربوية للطلبة والطالبات داخل القطر وخارجه.

  • ومنهن الحاجة مريم بولاجوكو قادري (تـ 2015م): كانت “إيا أَدِينِي”[25] بسبب الأعمال الخيرية والدينية التي تقدمها. وكانت تسعى إلى تشجيع النساء على التربية الدينية، وإلى الإشراف على مجالس الوعظ والإرشاد وحلقات الدعوة والتوجيه الديني التربوي. وممن كانت تستدعي للوعظ حتى اشتهر بوعظه البليغ الحاج الخطيب المفوه محيي الدين بللو وكذلك المذيع الصحفي الكبير الحاج عبد الرزاق أريمو غَوَاتْ.
  • ومنهن أم هانئ أموكي ألاغا (تـ 1993م)، كانت ناشطة فعالة في نيجيرية بإبادن عاصمة ولاية أويو، وكانت تشجع النساء وتؤثر فيهن ليصبحن مواطنات ناشطات. وفي عام 1958م أسست جمعية (Isabatudeen IS) مع إحدى عشرة امرأة أخريات، وذلك بعد أن رفضت مدرسة تنصيرية دخول ابنتها إليها بسبب عدم تغييرها عند التسجيل، لأن المدارس التنصيرية وقتئذ كانت تفرض على أولياء أمور التلاميذ تبديل أسمائهم إلى أسماء مسيحية أو محلية قبل إتمام تسجيلهم في المدرسة. ومن ضمن مشاريع تلك الجمعية التي تحققت، إنشاء مدرسة ثانوية للبنات عموما والمسلمات خصوصا.
  • ومنهن الحاجة مُعينة ألاكَيْ شوبَيْيِنْ؛ كانت ناشطة مسلمة ومحسنة فعالة. تنفق على العديد من مشاريع بناء المساجد، ومن المنظمات والبرامج الإسلامية، سواء في التلفزيون أو الإذاعة أو وسائل الإعلام المطبوعة عما لا يقل عن خمس وعشرين سنة خصوصا برنامج “الهدى” الذي كان يسيّره الحاج عبد الرزاق أريمو غَوَاتْ في التلفزيون الوطني NTA 10، كما تشرف على المسابقات القرآنية والإسلامية، وقد شاركت في الإشراف على المسابقة القرآنية الوطنية الموسومة بـ” Lagos for Qur’an” أي “لاغوس للقرآن”، واشترت بيتا وخصصته لها. وقد منحت لقبIya Sunna of Lagos و”Arowoshadini of Nigeria”، و”Alatileyin Adini”، و”Gerigeni Adini” و”Iya Ilekewu of Nigeria”، و”خادمة الإسلام” تقديرا لخدمتها المتواصلة وتنويها بجهودها الجبارة في شؤون الدين وواجبات التربية. ومن الجدير بالذكر، أنها درست القرآن العظيم بدقة في تكوين “جماعة أمة ليكي” بليكي الوجه الأول بلاغوس، وهي بنت ستين سنة. وسعت مع جماعة من المحسنين والمحسنات لإعادة بناء بعض المساجد وتوسعتها في أنحاء نيجيريا.
  • ومنهن الحاجة مستورة كوتن بلاغوس-جنوب نيجيريا، كانت أول امرأة أسست مدرسة التعليم الإسلامي العتيق والكُتّاب الأصيل في جنوب نيجيريا حوالي الخمسينيات من القرن الماضي، وأسهمت في تأسيس “جمعية المعلمين للغة العربية والإسلامية في نيجيريا”. وتوفيت في بداية الثمانينيات من القرن الماضي.
  • ومنهن الحاجة المعلمة صديقة أبِـمْبَوْلا مَارْتِنْس (تـ 1998م)، لها تحركات دينية إسلامية، وهي مؤسسة “مدرسة يا فتاح العربية الإسلامية” بلاغوس. كانت من اللجنة التأسيسية لـ FOMWAN و”NACOMYO”.
  • ومنهن الحاجة شريفة أبَيْكَيْ أَوْدُنْصَنْيَا، هي مؤسسة وفي نفس الوقت أميرة “IYONU OLUWA GROUP OF MOSQUE”. تنفق جزءا كبيرا من ثروتها على الشؤون الإسلامية، ويكفي أن نعلم أنها بنت وحدها مساجد جوامع، بلغ عددها حتى الآن خمسة، وليس ذلك فحسب، بل بَنَتْ مع كل مسجد جامع إيواء للإمام والمؤذن والعاملين فيه.
  • وفي الأوساط الأكاديمية الدكتورة رُشْدَة شولاجى أوجيلادَيْ، كانت أول امرأة حصلت على الدكتوراه في العلوم الإسلامية بنيجيريا بجامعة إبادن عام 1990م.

فأقام لها الحاج مشهود أبيولا MKO حفلة تكريم بقاعة جامعة لاغوس.

  • ولما كان القرآن الكريم لم يجعل وظيفة تدبير الشأن الديني والواجب التربوي حكرا على الرجل، وإنما جعل النساء أعوانهم فيها، فقد بادرت بعض المرشدات بعد تكوينهن وتخرجهن في معهد محمد السادس لإعداد الأئمة والمرشدين والمرشدات، الذي أنشأه المغرب عام 2015م إلى تنظيم جلسات لفائدة النساء في المدارس، وحلقات في وسائل التواصل الاجتماعي.

خاتمة

بعد هذا التطواف وهذه الجولة حول المرأة الإفريقية المسلمة عامة وإسهامات المرأة النيجيرية المسلمة خاصة، نخلص إلى ما يأتي:

1.أن فطرة الله التي فطر الناس عليها أبرزت أن المرأة لا تختلف عن الرجل في الاستخلاف في الأرض وإعمارها، وأن لكل من الجنسين مسؤولية وجزاء في الدنيا والآخرة.

2.أن الإسلام هو الذي حرّر المرأة من القيود اللاإنسانية وحافظ على كرامتها وحقيقة كينونتها بأنها سيان مع الرجل.

3.أن المرأة الإفريقية المسلمة لعبت دورها بشكل فعال في الشأن الديني والواجب التربوي والخدمات الإٍنسانية، كما أسهمت الصحابيات وغيرهن من أولات الدين.

4.أن المرأة المسلمة فيما يعرف بنيجيريا لعبت دورها في الحركات الإسلامية والواجبات التربوية والعلمية على وجه جدِّيّ لا يستهان به.

5.وإذا نظرنا إلى كل ما أشرنا إليه أعلاه، يظهر لنا بجلاء أن المرأة الإفريقية المسلمة قامت بدورها تجاه الشؤون الإسلامية والتربوية، وأسهمت بما لا يجحد ولا ينكر من أداء واجبها تجاه الشأن الإسلامي والتربوي.

6.أن المرأة المسلمة إذا قامت بشؤون الدين كما تقرر وكما ينبغي، أنتجت تراثا زاخرا وخدمة نفيسة؛ لأن بإسهامها وإسهام رفيقها الرجل المسلم، لَتعود الأمة إلى نهضتها وازدهارها.

الهوامش

[1] -الحجرات: 13.

[2] -سنن الترمذي، باب ما جاء في حق المرأة على زوجها، رقم الحديث: (1163)، تح: بشار عواد معروف، دار الغرب الإسلامي

– بيروت، 1998م، ج 2 ص 458.

[3] -صحيح مسلم، باب حجة النبي صلى الله عليه وسلم، رقم الحديث: (1218)، تح: محمد فؤاد عبد الباقي، دار إحياء التراث العربي– بيروت، ج 2 ص 886.

[4] -الأحقاف: 15.

[5] -القصص:11.

[6] -آل عمران: 35.

[7] -التوبة:71.

[8] -مسند أحمد، مسند النساء، رقم الحديث: (26195)، سنن أبي داود، باب في الرجل يجد البلة في منامه، رقم الحديث:

(236). سنن الترمذي، باب فيمن يستيقظ فيرى بللا ولا يذكر احتلاما، رقم الحديث: (113).

[9] -إسهامات المرأة المسلمة في خدمة المجتمع بين الماضي والحاضر وتحديات المستقبل، الدكتورة خضرة بن هنية، المؤتمر الدولي الأول عن المرأة برعاية من شركة نصرت للتعليم والثقافة ومجلة حراء بالتعاون مع جماعة نصر الإسلام كدونا –نيجيريا، 12 /11 /2018م، ص 3.

[10] -لفظ تاكرامت بالبربرية يعني الفقيهة. كانت آية في فض النزاعات وحلها بين الأفراد والقبائل، وإرساء ثقافة الصلح بينهم. وكان الناس يقبلون قضاءها ويستنيرون برأيها. وما زال المثل الشعبي السائر يؤكد أن من لا يقبل شروط صلحها وحلها يعتبر “مسخوط لالة عزيزة”. وقد نجحت هذه الولية التي جمعت بين العلم والدين والتربية في عقد الصلح بين وزير السلطان أبي عنان، فارس ميمون، قائد الحركة إلى الجبل، وبين عبد الله السكسيوي المناصر للأمير المريني أبي الفضل سنة 754هـ. وقد زارها من العلماء ابن قنفذ مؤلف “أنس الفقير وعز الحقير”، وذكر في الكتاب بعض مناقبها.

[11] -كانت أول امرأة حاضرت بالأزهر الشريف، وأول امرأة عربية نالت جائزة الملك فيصل في الآداب والدراسات الإسلامية، ومن الأوليات اللواتي اشتغلن بالصحافة في مصر خصوصا في جريدة الأهرام، وممن درّس التفسير والدراسات العليا في كلية الشريعة بجامعة القرويين.

[12] -العالمة الأديبة رقية هي التي سماها أبوها الشيخ إبراهيم انياس “بنت الحي”، وهي التي ألفت كتاب “تنبيه المسلمة في الدين والدنيا”، وذكرت فيه أنه قد خطر ببالها بعد طول الاشتغال بتربية البنات وتعليمهن شؤون الدين أن تكتب لهن بعض النصائح.

[13] -أسست واحدا من أكبر المعاهد لتعليم القرآن الكريم في دكار عاصمة السنغال، مع فروع في العديد من مناطق السنغال.

ويدرس فيها الطلبة من مختلف بلدان غرب أفريقيا القرآن العظيم والشريعة الإسلامية.

[14] -ألفت ما لا يقل عن 60 كتابا، وكتبت عددا هائلا من الشعر قصد تسهيل تعلم الدين ونشره. ومن أشعارها التي قرضت:

الكريم يقبل تائبا  آتاه   لا يخاف بأسا كل من رجاه.

وتنسب القصيدة إلى السيدة الرقية بنت محمد سعد. ينظر: أديبة بلاد السودان أسماء بنت الشيخ عثمان بن فوديو، ص 12.

[15] -التوبة:71.

[16] -صحيح البخاري، باب تعليم النبي صلى الله عليه وسلم أمته من الرجال والنساء مما علمه الله، ليس برأي ولا تمثيل، رقم الحديث: (7310). صحيح مسلم، في كتاب البر والصلة والآداب، باب فضل من يموت له ولد فيحتسبه، رقم: (2633).

[17] -الأحزاب: 35.

[18] -الجامع الكبير، الترمذي، رقم الحديث: (3211)، تحقيق: بشار عواد معروف، دار الغرب الإسلامي– بيروت، 1998م، ج5 ص207.

[19] -التغابن: 14.

[20] -ينظر: أسئلة الأسقيا وأجوبة المغيلي عليها، محمد عبد الكريم المغيلي، تح: عبد القادر زبادية، الشركة الوطنية للنشر والتوزيع –الجزائر، 1974م، ص 6 – 9. الإمام المغيلي وآثاره في الحكومة الإسلامية في القرون الوسطى في نيجيريا، آدم عبد الله الإلوري، شركة مصطفى البابي الحلبي وأولاده بمصر، ط 1، 1394هـ/1974م، ص 52. ذكر الإلوري الشيخ عبد الله سجلها في “تنبيه الإخوان” كما سجلها في “ضياء السياسة”. الشيخ محمد بن عبد الكريم المغيلي التلمساني المصلح الثائر وفكره الإصلاحي في توات والسودان الغربي، شترة خير الدين، دار ابن طفيل –الجزائر، 2012م، ج 2 ص 440.

[21] -ينظر: إنفاق الميسور في تاريخ بلاد التكرور، محمد بللو بن عثمان، ص 53. المجاهد الكبير في غرب إفريقيا: الشيخ عثمان بن فوديو، الدكتور أمين الدين أبو بكر، ص 18.

[22] -تربية الأولاد في الإسلام، عبد الله ناصح علوان، دار الفكر المعاصر، بيروت –لبنان، 1996م، ط: 30، ص 106.

[23] -الشوقيات، ديوان أمير الشعراء، أحمد شوقي، تح: محمد نعيم بربر، المكتبة العصرية –بيروت، ج 1 ص 247.

[24] -تزيين الورقات بجمع بعض ما لي من الأبيات، عبد الله بن فوديو، ص7 – 9.

[25] -لقب يوربوي يتم منحه عادة للمرأة المسلمة التي ساهمت في المجتمع أو الحكومة بطريقة ما.