مجلة العلماء الأفارقة

مجلة العلماء الأفارقة مجلة علمية نصف سنوية محكمة تعنى بالدراسات الإسلامية والثوابت المشتركة بين البلدان الإفريقية تصدرها مؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة. تنشر فيها مقالات علمية تخدم أهداف المؤسسة المنصوص عليها في الظهير الشريف الصادر بشأنها

جهود العلماء الأفارقة في خدمة الثوابت الدينية المشتركة

Slider

الإسلام في رواندا وجهود العلماء الروانديين في خدمة المذاهب الفقهية

الإسلام في رواندا وجهود العلماء الروانديين في خدمة المذاهب الفقهية

أولا: لمحة تاريخية عن الإسلام في رواندا

الموقع الجغرافي

رواندا هي إحدى دول القارة الإفريقية التي تقع في شرق وسط القارة ضمن المنطقة المعروفة بمنطقة البحيرات الكبرى، وهي دولة حبيسة ليست لها سواحل، ويتم نقل تجارتها البحريّة عبر مينائي دار السلام في دولة تنزانيا ومومباسا في كينيا. وهي أيضا إحدى الدول التي تقع جنوب خط الاستواء بأميال قليلة، تحدّها من الشرق دولة تنزانيا، ومن الجنوب دولة بوروندي، ومن الغرب دولة الكونغو الديمقراطية، ومن الشمال دولة أوغندا.

إن طبيعة أرض رواندا غير مستويّة تضم العديد من الهضاب والمرتفعات الجبلية والبركانيّة، لذلك يُطلق عليها بلد الألف هضبة، نظرًاً لكثرة المرتفعات الموجودة فيها وجبال فيرونغا وسلسلة جبلية في شمال غرب البلاد. كما تمتاز رواندا بالمناظر الطبيعية الخلابة والتلال البديعة ووفرة الحياة البرية، وفي شرقها يتواجد أيضاً العديد من البحيرات، والمجاري المائيّة، والأنهار وخاصة في الشرق.

والمناخ في رواندا معتدل في الكثير من المناطق، نظرًاً لارتفاع سطحها عن مستوى سطح البحر، ويؤدي هذا الارتفاع إلى تلطيف الأجواء وتخفيض درجة الحرارة، وهذا ما يعد شيئا نادرا في تلك المنطقة المدارية التي يميّزها ارتفاع درجة الحرارة فيها، وهو ما يمكن ملاحظته في المناطق المنخفضة من البلاد، وفي فصلي الربيع والخريف تتساقط الأمطار بكميات كبيرة تسمح بمل البحيرات وتجديد خصوبة الأراضي الزراعيّة التي تكون خصبة بطبيعتها نظرًاً لطبيعتها الجبلية.

وتبلغ مساحة رواندا 26,338(كم مربع)، وهي من البلدان الإفريقية المزدحمة بالسكان، عاصمتها مدينة كيغالي، وتنقسم رواندا إلى أربعة أقاليم إدارية: الشرق والغرب والشمال والجنوب، فضلا عن العاصمة.

وإذا ما تحدثنا عن سكان رواندا، فإن عددهم يبلغ 12,374,397 نسمة، وبالنسبة للديانة- حسب التقديرات- فإن %58 من السكان هم مسيحيون كاثوليك، و%10 مسلمون، والبقية من طوائف مسيحية بروتستانتية، ومن ديانات أصلية.

قصة دخول الإسلام في رواندا

وصل الإسلام إلى رواندا عن طريق التجار العرب من جنوب الجزيرة العربية (اليمن وعمان)، والمسلمين المهاجرين للقارة الذين توغلوا من الساحل الشرقي للقارة الأفريقية بحثًا عن العاج والجلود والمعادن، في أواخر القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين. وازداد عدد المسلمين بعد موجات من الهجرة في بداية القرن العشرين هربًا من المحتل الأوروبي في بلاد تنزانيا وأوغندا والسودان وكينيا، حسب ما يشير إليه عدد قليل من المصادر المكتوبة المتاحة بشأن أصولهم. وهناك كتب تتكلم عن دخول أعداد كبيرة في الإسلام، وأنهم دخلوا بسبب رحمته، وبسبب روعته، واحترام الشرف، وتواضع التجار العرب الذين دخلوا البلاد لأول مرة في مطلع القرن العشرين. وقد تعزز الوجود الإسلامي أيضا عن طريق التجار المسلمين القادمين من الهند الذين تزوجوا من الروانديات. وبنى الروانديون مسجدا لأول مرة في 1913م وهو المعروف باسم مسجد المدينة.

الإسلام في رواندا قبل الإبادة الجماعية عام 1994م

منذ وصول الإسلام إلى رواندا، والمسلمون كانوا دوما أقلية في بلدهم، ومرت الجالية المسلمة بمراحل صعبة في رواندا؛ فأيام المستعمر البلجيكي نالت أبشع أساليب التعذيب، حتى محاربتها في أقواتها، وحاول المستعمر التفرقة بينها بزرع الفتن والأحقاد؛ فقد كان يمنع الأسر المسلمة من السكن متجاورين لدرجة أنهم كانوا لا يسمحون لثلاث أسر مسلمة بالسكن متجاورة، فإذا خالفوا ذلك أصر المستعمر على تبديد بيوتهم وتشريدهم وقتلهم. لذا كان المسلمون يؤدون شعائرهم في وضع مضايقة، وبذلت الجماعات التبشيرية خلال تاريخها جهود كثيرة لعرقلة انتشار الإسلام في رواندا، واستغلت المشاعر المعادية للعرب وقدمت المسلمين كأجانب ومتخلفين وهمجيين!

واستمرت الإدارة البلجيكية في تهميش المسلمين وحرمانهم من التعليم والوظائف المهمة في الحكومة كباقي أبناء البلد. ونتيجة لذلك اقتصرت فرص العمل للمسلمين إلى حد كبير في الانخراط في التجارة الصغيرة والعمل الحر البسيط كعمل السياقة ونحوها.

وقد مر المسلمون عبر السنين بظروف قاسية في رواندا وعاشوا تحت الاضطهاد والتهميش، وذلك منذ فترة حكومة المستعمر الألماني ثم البلجيكي، وذلك قبل الاستقلال حيث أصدرت حكومة المستعمرين أوامر التضييق على المسلمين وعزلهم عن بقية المواطنين، وعاش المسلمون هذه الظروف خلال فترة 37 سنة من 1925م حتى الاستقلال عام 1962م، ومما نصت عليه هذه الأوامر ما يلي:

  • فرض على المسلمين الإقامة في المستوطنات الخاصة بهم والمعزولة عن بقية المواطنين،
  • منع المسلمين من الخروج من هذه المستوطنات وكذلك منع غير المسلمين من الدخول إلى هذه المستوطنات إلا بتصريح مكتوب من حكومة المستعمرين.
  • منع المسلمين من الالتحاق بالمدارس إلا بتغيير أسمائهم الإسلامية.

ولما رأى المسلمون هذا التضييق قاموا ببناء مدرسة ابتدائية فأخذتها الحكومة منهم بالقوة وسلمتها للكنيسة البروتستانتية وذلك عام 1961م.

ولم يكن المسلمون يتمتعون بحق الوطنية فكان الشعب ينظر إليهم كالأجانب والغرباء الذين اعتنقوا ثقافات وعادات خارجية وغريبة.

وبعد استقلال البلد عام 1962م استمرت هذه المعاناة مع بعض التخفيف ،واستمرت هذه الصعوبات إلى سقوط الحكومة التي ارتكبت جريمة الإبادة الجماعية ضد شعب قبيلة توتسي سنة 1994م والتي راح ضحيتها أكثر من مليون شخص ،قتلوا في مائة يوم فقط، وسقطت هذه الحكومة على أيدي جبهة رواندا الوطنية التي كانت تعارض هذه الحكومة، وهذه الجبهة هي التي أوقفت الإبادة الجماعية ومسكت زمام الحكم منذ عام 1994 حتى الآن وهي الحزب الحاكم للدولة، وقد وفقت لتأمين جميع مناطق البلد وقامت بالمصالحة بين المواطنين، فأصبح الروانديون متعايشين سلميا.

وقبل الاستقلال بعامين في عام 1960م تحديدا، أمر وزير الحكومة السابق سيبازونغو حرق ميدان ومسجد للمسلمين في رواماغانا في الإقليم الشرقي. وعقب هذا الحدث شعر الكثير من المسلمين بالرعب وكثير منهم فروا إلى البلدان المجاورة. ولا يستبعد أن الكنيسة الكاثوليكية وقفت وراء هذه الأحداث التي أدت إلى تفاقم المرارة بين المسلمين. وفي العاصمة كيغالي، عاش المسلمون على هامش المجتمع في منطقة «نياميرامبو»، وفي غيرها من المناطق الخارجة عن العاصمة، وهي في الغالب أحياء عشوائية، وتوجد بها مساجد مركزية.

وفي عام 1964م، تأسست (جمعية مسلمي رواندا) التي سعت من أجل لم شعث المسلمين وتوحيد كلمتهم، ونالت ترخيصها من وزارة العدل بتاريخ 14/ 5/ 1994م. وتتولى حاليًا نشاط العمل الإسلامي والتنسيق بين الاتحادات والجمعيات والمؤسسات الإسلامية، ومتابعة القضايا التي تهم المسلمين، وتوجِّه جهود العلماء والتنسيق بينهم والاستفادة منها. وتم تشكيل أيضا هيئة تضم خريجي الجامعات الإسلامية والعربية باسم ما يعرف بـ»مجلس العلماء في رواندا» لتشرف على شؤون الدعوة والدعاة. ويوجد للمسلمين أيضًا مجالس قضائية مكونة من القضاة الذين ينظرون في القضايا الخاصة بالأحوال الشخصية. وللجمعية معهد الهداية الإسلامي الذي تأسس في أوائل السبعينيات وفي عام 1974م تحديدا، وهو المعهد الوحيد الذي يخرج الدعاة على مدار هذه السنوات.

ولحد الإبادة الجماعية ضد قبيلة التوتسي عام 1994م، كان ينظر إلى المسلمين بنظرة دونية لأنهم في رواندا كانوا يرون أنهم تجار بسطاء، بينما يحظى المزارعون بتقدير كبير، وكان عدد المسلمين قبل الإبادة الجماعية يقدر بأقل من ٪1 الذي كان يعتبر الأكثر انخفاضا بشكل غير عادي مقارنة مع عدد المسلمين في البلدان المجاورة.

الإسلام في رواندا بعد الإبادة الجماعية عام 1994م

كان للمسلمين دور فعال وإيجابي خلال الإبادة الجماعية الدموية ضد قبيلة «التوتسي» عام 1994م؛ وذلك لعدم مشاركتهم فيها من جهة، وتوفير الأمن لكل من التجأ إليهم من قبيلة التوتسي المستهدفة من جهة أخرى. وبذلك أصبح المسلمون أكثر قدرةً على تفعيل الجهود السلميَّة ونشر التسامح بين الشعب الرواندي، وقد فتح المسلم بيته لكل من لجأ إليه، وكانت المساجد هي الأماكن الآمنة لكل مَن نزل بها.

وأصدر بهذا الشأن المكتب العام لجمعية مسلمي رواندا البيان في اجتماع المجلس العمومي لجمعية مسلمي رواندا، في عام 1992م-قبل الإبادة الجماعية بسنتين- بسبب ما كانت تجري من أحداث وقتئذ حيث كانت الحكومة تحرض على الكراهية القبلية ضد التوتسي، يدق هذا البيان ناقوس الخطر القادم، ويحذر كل عضو في الجمعية من المشاركة في الأحزاب السياسية التي تقوم على أسس عنصرية وكراهية قبلية، كما حذر البيان من عدم سلب حق حياة أي مواطن، يقول النص: «إن اجتماع المجلس المذكور ينتهز هذه الفرصة لتذكير كل المواطنين، أن لكل المواطن الحق في الحياة، ولا أحد يسلب منه هذا الحق بسبب انتمائه القبلي أو الإقليمي ،ولا فضل لقبيلة أو أي انتماء كما جاء في محكم التنزيل: (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا، إن أكرمكم عند الله أتقاكم…) .     ومن هنا، فإن غالبية المسلمين لم يشاركوا في الإبادة الجماعية، وقالت شاهدة عيان عائشة أويمبابازي، وقد اعتنقت الإسلام مؤخرًاً: «لقد أنقذ المسلمون أسرتنا بكاملها.. كان المسلمون رحمة لرواندا أثناء المذابح، وهذا ما جعلني أعتنق الإسلام عن قناعة». وتقول سالمة إنجابيري التي اعتنقت الإسلام عام 1995م بعد أن قُتل أخواها في الإبادة: «نحن نرى المسلمين بوصفهم شديدي الرقة، والرحمة تملأ قلوبهم». ومما ساعد على رفع مصداقية المسلمين عند الشعب الرواندي جهود الحكومة في المصالحة الوطنية. الأمر الذي عزز مكانة المسلمين وأكسبهم الاحترام من النصارى وحتى الحكومة الحالية لهذا السبب، والآن تجدهم في كافة دوائر الحكومة، وفي الجامعات في الوقت الذي كان يمنع المسلم من دخول المدارس والجامعات ناهيك عن الدخول في أجهزة الحكومة. ويعيش المواطنون في ظل من التعايش السلمي، والاحترام المتبادل دون أية مشاحنة ولا تعصب تجاه الآخر.

وقد ساعد ذلك على نشر تعاليم الإسلام بين الشعب الرواندي. وتزايد عدد المسلمين في السنوات الأخيرة، وصار من الشائع أن نرى القرويين يرتدون الحجاب، ويحملون نسخًا من القرآن، وهم يدخلون المساجد؛ حيث ينتظرهم الإمام ليدرس معتنقي الإسلام الجدد والمسلمات أصول دينهم الحنيف. وتمتلئ المساجد والمدارس والجامعات بالطلاب المسلمين اليوم وأصبح الإسلام اليوم في كل مكان في رواندا.

الحكومة الرواندية الحالية برئاسة فخامة الرئيس بولو كاغامي ومعاملته للمسلمين

تتميز حكومة الرئيس بولو كاغامي بمعاملتها الإيجابية والعادلة مع المسلمين، وتتمثل هذه المعاملة في الأمثلة التالية:

  • فقد أقامت حكومة الرئيس كاغامي مناسبة خاصة لشكر المسلمين وتقدير مواقفهم المشرفة خلال فترة الإبادة الجماعية، وصرح فيها رئيس البلد بفتح أبواب البلد للدعوة الإسلامية لنشر الإسلام وطلب الرئيس من المسلمين دعوة غيرهم إلى الإسلام وقيمه الإنسانية التي منعت المسلمين من الانخراط في الإبادة الجماعية وتميزوا عن الآخرين حتى قال في كلمته لهذه المناسبة: «نظرا لمواقف المسلمين البطولية أثناء الإبادة الجماعية رغم قلتهم وضعفهم، نعتقد أنه لو كان الروانديون كلهم مسلمين لما وقعت الإبادة الجماعية في رواندا.»

فمنذ هذا الإعلان من الرئيس أصبحت أرض رواندا خصبة للدعوة إلى الإسلام وإلى يومنا هذا سمحت الحكومة للدعاة المسلمين بإقامة المناظرات المفتوحة بينهم وبين دعاة النصارى لدعوة الناس إلى الإسلام فأعجب الروانديون بالإسلام ولا يزالون يعتنقون الإسلام بالكثرة التي أدت إلى انتشار الإسلام في جميع أنحاء البلد.

  • قررت الحكومة إعادة المدرسة الابتدائية إلى المسلمين بعد أكثر من ثلاثين سنة من تسليمها إلى الكنيسة البروتستانتية عنوة، فالمدرسة الآن بيد المسلمين ولله الحمد.
  • مشاركة المسلمين في المناصب العالية في القطاع الحكومي حيث حرص فخامة الرئيس الرواندي بولو كاغامي على الرفع من قيمة المسلمين في المجتمع، فأصبحوا يحظون بحق التعليم العالي والتوظيف، فعلى سبيل المثال هناك وزير التربية والتعليم المختص بالمدارس الابتدائية والثانوية مسلم معتز بالإسلام،  وكذلك نائب رئيس البرلمان الحالي ووزير الداخلية سابقا السيد الشيخ موسى فاضل خريج الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، وكذلك نائبة رئيس مجلس الشيوخ الرواندي مسلمة واسمها فاتو هاريرمانا، وهناك عدد من أعضاء البرلمان مسلمون، كما يوجد المسلمون في رؤساء البلديات وكذلك الضباط الكبار من القوات المسلحة الرواندية والشرطة.
  • اعتماد عيدي الفطر والأضحى إجازتين رسميتين في البلد.
  • حضور رئيس البلد والمسؤولين الكبار وتشريفهم لمناسبات المسلمين.

ثانيا: دور العلماء الروانديين في خدمة المذاهب الفقهية

ظهور المذهب الشافعي في رواندا وعوامل انتشاره

رغم أن المذهب الشافعي هو السائد في رواندا، إلا أن جميع المذاهب الفقهية أخذت مكانتها في قضايا فقهية، واعتمد عليها في الفقه والأحكام. وقد يعود ذلك إلى تأثير الدول المجاورة والتي كانت السبب الرئيسي لدخول الإسلام إلى رواندا، ولانتشار المذهب الشافعي عن طريق تنقلات التجار والعلماء إليها بحكم القرب، وغالبية سكانها شافعية بالإضافة إلى العرب من أصول اليمن وعمان الذين سكنوا هذه البلاد قديما. والذين كانوا يتمذهبون بالمذهب الشافعي في القرن الثالث عشر الهجري تقريبا، ولا يزال المذهب الشافعي هو السائد في رواندا وفي بلاد شرقي إفريقيا اليوم، ومن هنا يظهر تماما أن المذهب الشافعي دخل إلى رواندا مع دخول الإسلام، وكذلك الجهود الكبيرة التي كان يقوم بها أتباع الطرق الصوفية القادرية الشافعية التي انتشرت في رواندا والتي كان لها الدور الكبير في تأسيس المساجد ومجالس الذكر وإحياء المولد النبوي الشريف والتي أسهمت بدورٍ فعال في جذب الكثيرين إلى حظيرة الإسلام كما هو الشأن في الدول الإفريقية. وقد تميز علماء المذهب الشافعي في رواندا بالقدوة الحسنة والأخلاق الإسلامية والتسامح والرفق في المعاملة والمثل الطيبة الواضحة في المعاملة الحسنة، وكانوا يتبعون الطريقة الصوفية لعبد القادر الجيلاني الشافعي. وبهذه الأخلاق التي سرت إلى بعض مريديهم وأتباعهم كانوا يجذبون إلى الإسلام طوائف من غير المسلمين الذين يختلطون بهم.

وقد تميز المذهب الشافعي بالمرونة في معالجة كثير من القضايا الشائكة والحالات المستعصية والعمل على حل المشاكل الطارئة بفضل مبدأ مراعاة الخلاف الذي اتخذه إمام المذهب أصلا من أصوله الفقهية التي بنى عليها فقهه. كذلك السماحة والتيسير في أحكامه وآرائه، والوسطية والاعتدال في أحكامه ومواقفه وفي أصوله وفروعه.

أشهر علماء المذهب الشافعي

ومن جملة هؤلاء العلماء والدعاة الذين خدموا المذهب الشافعي:

  1. الشيخ يحيى إبراهيم، من علماء الشافعية، ومن أتباع الطريقة القادرية، وكانت له مدرسة في مدينة روامغانا بالمنطقة الشرقية، وانتقل بعدها إلى كيغالي العاصمة حيث تتلمذ على يديه عدد كبير من الطلبة.
  2. الشيخ رجب روابكيكا، من علماء المذهب الشافعي، وكانت له مدرسة في غتشورابوينغي بالجنوب، حيث تتلمذ على يديه الجمع الغفير من الطلبة الروانديين.
  3. الشيخ دوس رمضان، من أتباع الطريقة الصوفية القادرية، وكانت له مدرسة في كيغالي وتتلمذ على يديه علماء كيغالي.
  4. الشيخ إبراهيم سعد، من مشايخ الشافعية وكانت له مدرسة في غاتسيبو شرقي البلاد.
  5. الشيخ مولد، من أتباع الطريقة الصوفية القادرية وكانت له مدرسة في ضواحي مدينة كيغالي.
  6. الشيخ مصطفى رمضان، من أتباع الطريقة الصوفية القادرية وكانت له مدرسة غرب عاصمة كيغالي.
  7. الشيخ خميس إبراهيم، من أتباع الطريقة الصوفية القادرية وكان له أثر كبير في الدعوة والتعليم.
  8. الشيخ زكريا بن قبا، من العلماء الشافعية، وكان له مدرسة في غيسيني غرب رواندا وانتقل بعد ذلك إلى الكونغو الديموقراطية لتأسيس مدارس، وتلقى الدرس عنده عدد كبير من الطلاب.
  9. الشيخ سونغورو، من المشايخ الشافعية، وكان له مدرسة وقام بزيارات دعوية في مختلف أرجاء البلاد.

وغيرهم من المشايخ والعلماء الشافعية الذين تمسكوا بالمنهج الوسطي والاعتدال في سبيل إعلاء شأن الإسلام والمسلمين في رواندا.

طابع تدين مسلمي رواندا

معظم المسلمين في رواندا من أهل السنة والجماعة، وتوجد عناصر قليلة من الشيعة الإمامية، التي ظهرت مؤخرا. ويحظى مسلمو دولة رواندا بقيادة إسلامية واحدة وعامة تتثمل في المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، حيث إنه المظلة التي يستظل تحتها جميع مسلمي رواندا.  وهي الجهة التنسيقية لجهود ونشاطات الجمعيات الإسلامية، وهي أيضا المعترف بها رسميا لدى الحكومة.

وتعد رواندا من دول الأقليات المسلمة، فالإسلام فيها حديث، وهذا بطبيعة الحال يوحي إلى أنه لم يكن لها علماء متخصصون في الدين وتعاليمه، وبحكم وجود تجار من دولة أوغندا والدول المجاورة وممارستهم للدعوة وتقربهم إلى المسلمين وقت تعليمهم أمور دينهم، استطاع بعض الروانديين أن يذهبوا إلى أوغندا طلبا للعلم الشرعي فدرسوا في المعهد الثانوي هناك، ثم التحق هؤلاء بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة. ومن هؤلاء العلماء: الشيخ هابيمانا إبراهيم رحمه الله، والشيخ أحمد موغويزا مفتي الديار الرواندية الأسبق، والشيخ هاغوماغاتسي جمعة والشيخ هاريريمانا عبد الكريم، عضو البرلمان سابقا– ومستشار الرئيس الحكومي حفظهم الله، وهم الرعيل الأول للدعاة الروانديين. وأسهم هؤلاء العلماء بعد تخرجهم في تفعيل العمل الإسلامي في رواندا بقيادة واحدة، ثم توالت بعدها دفعات. وقد سعت القيادة الإسلامية بمساندة الدفعات من العلماء الروانديين الخريجين في توحيد صفوف المسلمين وحفظهم من التفرق والتمزق والاختلاف الديني، فاجتمع المسلمون تحت ظل القيادة الواحدة.

ويشير التاريخ إلى أن التدين بالنسبة للمسلمين الأوائل لم يكن بأمر سهل، بل كان عكسه تماما، إذ لم يكن الإسلام دينا أصليا للسكان الروانديين القدامى، ثم إن رواندا كغيرها من الدول الأفريقية كانت مستعمرة، وكان الاستعمار بشعا وعلى أيدي المبشرين الكاثوليكيين، وأمر زمام الدولة كان بأيديهم، وكان لا يمكن أن يقبلوا منافسا آخر في نشر العقيدة.

وتلك الاضطهادات التي تعرض لها المسلمون لم تمنعهم من الصمود والتمسك بدينهم والنضال من أجله، حتى جاءهم نصر من الله بعد أمد طويل من العيش الضنك، فأصبحوا اليوم أحرارا بفضل الله ثم بحكومة رواندا الرشيدة الحالية التي ردت لهم حقوقهم المسلوبة في التدين والعيش.

وقد شهد التاريخ شدة تمسك المسلمين بدينهم وتعاليمه، وأبرز ما يوضح ذلك: عدم الانخراط في سفك دماء الأبرياء والتمييز العرقي اللذين عانت منهما رواندا وأدت بالبلد إلى الإبادة الجماعية عام 1994م. إذ كان الرأي العام والروح السائدة بين المسلمين في جميع أنحاء الدولة هو أن الإسلام لا يقبل العنصرية ولا التعصب القبلي، بل يدعو إلى السلام والتعايش السلمي بغض النظر عن أي انتماء ديني أو عرقي أو قبلي.

وقد نتجت عن ذلك نجاة العشرات من المستهدفين من قبيلة التوتسي في تلك الفترة من الإبادة الجماعية على أيدي المسلمين، واعتنق الكثير الإسلام، إذ اعتبر المواطنون الإسلام دين الأمن والسلام والرحمة.

دولة رواندا دولة غير متعصبة للمذهب

بالرغم من أن المذهب الشافعي هو السائد في رواندا ولكن بحكم تخرج الطلاب الروانديين من الجامعات الإسلامية المختلفة ومن شتى الدول الإسلامية، فإن الروانديين لا يتقيدون بمذهب معين لأسباب تعود إلى تنوع أماكن ودول تخرج علماء ودعاة رواندا، حيث إن الدول التي تحتضن الجامعات الإسلامية التي يتخرج منها هؤلاء الدعاة مختلفة المذاهب والاتجاهات، فنجد على سبيل المثال دول المغرب العربي والسودان ينتشر فيها المذهب المالكي، وفي دول الخليج ينتشر المذهب الحنبلي، وهكذا. وبحكم الدعاة والتجار الذين جاؤوا بالإسلام إلى رواندا هم أيضا قادمون من دول مختلفة كـالهند، اليمن، وعمان، وتانزانيا، أوغندا والسودان. ولديهم أيضا مذاهب مختلفة؛ فكان هذا الاختلاط المذهبي يشكل التنوع المذهبي في الدولة التي يقل فيها المعرفة والفهم بالدين.

وهناك نقطة تجدر الإشارة إليها بخصوص تغلب المذهب الشافعي نوعا ما في المجتمع الرواندي، وخاصة في العبادات، إذ يشير التاريخ إلى أن معظم الدعاة الذين دخلوا رواندا كانوا من الدول المجاورة لرواندا، ومن اليمن، وعمان، وكان مذهبهم مذهبا شافعيا وكانوا يعلمون الناس على أساس المذهب الشافعي، مما جعل هذا المذهب ينتشر انتشارا واسعا. وقد سعت قيادة المسلمين في رواندا على مر التاريخ إلى توحيد صف المسلمين وحفظهم من التشقق؛ فدعت إلى نبذ التعصب المذهبي حتى زمننا هذا، وقامت بتوحيد صف الدعاة ونظمت عملهم الدعوي.

ومما يميز تدين مسلمي رواندا عن غيره، عدم إثارة ما يفرق المسلمين خاصة في الفروع والجزئيات، فيحاولون التوفيق بين الأمور، بما يتوافق مع برامج الحكومة الإصلاحية التي تتبناها والتي تتفق مع مقاصد شريعتنا السمحة، كجهود الوحدة والمصالحة وتوحيد كلمة الشعب الرواندي ونبذ الفرقة فيهم والقبلية، وأعمال ذات النفع العام كالنظافة وإصلاح الطرق والتشجير، والتي تهدف إلى نفع المواطن والمجتمع ككل. وقد لبى المسلمون هذا النداء وتقبلوه وامتثلوا إليه، ذلك أنه يتوافق مع ما جاء في الشريعة الإسلامية السمحة.

وخلاصة القول إن طبيعة تدين مجتمع مسلمي رواندا أنه مجتمع متدين، ووسطي في تدينه دون إفراط ولا تفريط، وهم من أهل السنة والجماعة، وينتشر فيهم المذهب الشافعي وخصوصا في العبادات، مع مراعاة الأخذ بالقول الراجح من بين المذاهب الفقهية المعتبرة. ونتج عن ذلك وجود طابع معين للتدين يدعو به كل الدعاة ويعلم به كل معلم، واتحد المسلمون تحت ظلاله، وهذا ما يميز مسلمي رواندا عن غيرهم من مسلمي الدول الأخرى.

المدارس الإسلامية في رواندا ودورها في نشر المذاهب الفقهية

لقد بدأ التعليم بالكتاتيب، وتمركز في أماكن وأحياء يسكنها المسلمون، ثم تطور نوعا ما وأصبح منظما. ومن هذا المنطلق تم إنشاء أول مدرسة ثانوية دينية في سنة 1974م بمسجد الهداية بكيغالي العاصمة. وكان اسم المدرسة “المدرسة الإسلامية” بـ نيامي رامبو. وفي سنة 1982م، تم تغيير اسمها إلى معهد الهداية الإسلامي. وكان للمركز الثقافي الإسلامي الذي أسسته الهيئة المشتركة لتأسيس المراكز الإسلامية بين دولة ليبيا والإمارات العربية المتحدة في أواخر السبعينيات وأوائل الثمانينيات من القرن الماضي دورا فعالا في تخريج الدعاة ونشر الفقه الإسلامي.

*: مقال مشترك للعلماء: الشيخ موشومبا يونس- الشيخ إياكاريمي أحمد- الشيخة نيرورا سودة- الشيخة إنيرانسا بيمانا زمدة- الشيخ مونيزامو أحمد.

لائحة المراجع

  1. أوضاع الإسلام والمسلمين في رواندا (الفرص والتحديات)، وثيقة أعدت من قبل المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية- المكتب العام، بتاريخ 20/01/2017م.
  2. د. محمد عاشور: دليل الدول الإفريقية، جامعة القاهرة، معهد البحوث والدراسات الإفريقية ،2007م.
  3. يونس موشومبا: قراءة في التجربة الرواندية… من الاقتتال إلى التعايش السلمي، مجلة قراءات إفريقية.
  4. -قراءة-في-تحول-رواندا-من الاقتتال-إلى-التعايش /https: //www.qiraatafrican.com/home/new.1
  5. Richard M.Benda, The test of Faith: Christians and Muslims in the Rwandan Genocide: A thesis submitted to the University of Manchester  for the degree of Doctor of Philosophy in the Faculty of Humanities.
  6. KRISTIN DOUGHTY and David Moussa Ntambara, Resistance and Protection: Muslim Community, Actions during the Rwandan Genocide,) February 2003 (Updated May 2005

 

تحميل المقال بصيغة PDF