مجلة العلماء الأفارقة

مجلة العلماء الأفارقة مجلة علمية نصف سنوية محكمة تعنى بالدراسات الإسلامية والثوابت المشتركة بين البلدان الإفريقية تصدرها مؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة. تنشر فيها مقالات علمية تخدم أهداف المؤسسة المنصوص عليها في الظهير الشريف الصادر بشأنها

جهود العلماء الأفارقة في خدمة الثوابت الدينية المشتركة

Slider

الشمائل المحمدية في التراث الإفريقي الشيخ إبراهيم إنياس أنموذجا

إبراهيم الطاهر موسى
رئيس رابطة خريجي الجامعات المغربية النيجيريين

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه حق قدره ومقداره العظيم.

أما بعد،

إن الله سبحانه وتعالى إذا أراد أن يظهر شيئًا هيأ له الأسباب. ولما أراد إظهار سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم في الوجود داعيًا إليه بإذنه وسراجًا منيرًا، هيأ له أسباب محبته ليسهل للخلق اتباعه وطاعته. ومن أكبر هذه الأسباب تجميل النبي صلى الله عليه وسلم وتحسينه خَلقًا وخُلقًا كما قال سبحانه وتعالى: ﴿وإنك لعلى خلق عظيم﴾ [سورة القلم، الآية: 4]. فكانت الشمائل العظيمة للنبي صلى الله عليه وسلم أكبر جاذب للخلق إلى محبته والانقياد إليه واتباعه وطاعته طاعة مطلقة والجري وراءه واتباع إشاراته وتعظيمه وإكباره وتقديره وتنفيذ أوامره والانتهاء عما نهى عنه ظاهرًا وباطنًا كما حكت لنا كتب السير والشمائل.

وفي هذا المقال نعرض بعضًا من الإنتاجات الإفريقية التي تصف الشمائل النبوية ونمثل بالقصيدة العينية للداعية الإفريقي الشهير الشيخ إبراهيم إنياس الكولخي رحمه الله.

وتشتمل هذه المقالة على الآتي:

  • تعريف الشمائل لغة واصطلاحا.
  • الأحاديث والآثار التي وردت في أوصافه وشمائله صلى الله عليه وسلم.
  • أقوال أصحابه وأقاربه في وصف شمائله صلى الله عليه وسلم. وذكر بعض المؤلفات التي اهتمت بالشمائل النبوية.
  • خلفية تاريخية عن الشيخ إبراهيم إنياس رحمه الله.
  • عرض وتحليل للقصيدة العينية لمولانا الشيخ إبراهيم إنياس رضي الله عنه.
  • الخاتمة والمصادر والمراجع.

التعريف بالشمائل في اللغة والاصطلاح:

معنى الشمائل لغة:

وشمائِلُ: مفرد شَميلة: أخلاق، خِصال، طِباع: كريم الشّمائل، هذا من شمائله، يقطر من شمائله ماءُ الكرم. والشِّمالُ: الخُلُق؛ قال جرير: قليلٌ، وما لَوْمي أَخي من شِمالِيا. والجمع الشَّمائل؛ قال ابن بري: البيت لعَبْد يَغُوثَ ابن وقَّاص الحَرِثي، وقال صَخْر بن عمرو بن الشَّرِيد أَخو الخَنْساء: أَبي الشَّتْمَ أَني قد أَصابوا كَرِيمَتي، وأَنْ لَيْسَ إِهْداءُ الخَنَى من شِمالِيا. وقال آخر: هُمُ قَوْمي، وقد أَنْكَرْتُ منهمُ شَمائِلَ[1].

تعريف الشمائل في الاصطلاح:

هنا نلتجىء إلى كتاب (الشفا بتعريف حقوق المصطفى) للقاضي عياض لنأخذ منه التعريف الشافي. قال رحمه الله: “اعلم أيها المحب لهذا النبي الكريم الباحث عن تفاصيل جميل قدره العظيم أن خصال الجلال والكمال في البشر نوعان: ضروري ودنيوي اقتضته الجبلة وضرورة الحياة الدنيا، ومكتسب ديني وهو ما يحمد فاعله ويقرب إلى الله– تعالى– زلفى، ثم هي على فنين أيضا، منها ما يتخلص لأحد الوصفين، ومنها ما يتمازج ويتداخل؛ فأما الضروري المحض فما ليس للمرء فيه اختيار ولا اكتساب، مثل ما كان في جبلته من كمال خلقته وجمال صورته وقوة عقله وصحة فهمه وفصاحة لسانه وقوة حواسه وأعضائه واعتدال حركاته وشرف نسبه وعزة قومه وكرم أرضه. ويلحق به ما تدعوه ضرورة حياته إليه من غذائه ونومه وملبسه ومسكنه ومنكحه وماله وجاهه. وقد تلحق هذه الخصال الآخرة بالأخروية إذا قصد بها التقوى ومعونة البدن على سلوك طريقها، وكانت على حدود الضرورة وقواعد الشريعة. وأما المكتسبة الأخروية، فسائر الأخلاق العلية والآداب الشرعية، من الدين والعلم والحلم والصبر والشكر والعدل والزهد والتواضع والعفو والعفة والجود والشجاعة والحياء والمروءة والصمت والتؤدة والوقار والرحمة وحسن الأدب والمعاشرة وأخواتها، وهي التي جماعها: حسن الخلق”[2].

الأحاديث والآثار التي وردت في أوصافه وشمائله صلى الله عليه وسلم

وردت أحاديث وآثار كثيرة في وصفه وشمائله صلى الله عليه وسلم، منها:

ما رواه الإمام الترمذي في الشمائل المحمدية؛ عن أنس بن مالك رضي الله أنه سمعه يقول: “كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس بالطويل البائن، ولا بالقصير، ولا بالأبيض الأمهق، ولا بالآدم، ولا بالجعد القطط، ولا بالسبط، بعثه الله تعالى على رأس أربعين سنة، فأقام بمكة عشر سنين، وبالمدينة عشر سنين، وتوفاه الله تعالى على رأس ستين سنة، وليس في رأسه ولحيته عشرون شعرة بيضاء”[3][4].

وعنه أيضا، قال: “كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ربعة، وليس بالطويل ولا بالقصير، حسن الجسم، وكان شعره ليس بجعد ولا سبط، أسمر اللون، إذا مشى يتكفأ”[5].

وعن أبي إسحاق قال: سمعت البراء بن عازب يقول: “كان رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا مربوعا بعيد ما بين المنكبين، عظيم الجمة إلى شحمة أذنيه، عليه حلة حمراء، ما رأيت شيئا قط أحسن منه”[6].

وعن علي بن أبي طالب قال: “لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم بالطويل ولا بالقصير، شثن الكفين والقدمين، ضخم الرأس، ضخم الكراديس، طويل المسربة، إذا مشى تكفأ تكفؤا كأنما ينحط من صبب، لم أر قبله ولا بعده مثله”[7].

وقد روى القاضي عياض بسنده المتصل إلى سيدنا الحسن بن علي كرم الله وجهه: سألت خالي هند بن أبي هالة عن حلية رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان وصافاً، وأنا أرجو أن يصف لي منها شيئاً أتعلق به، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم فخماً مفخماً، يتلألأ وجهه تلألأ القمر ليلة البدر، أطول من المربوع، وأقصر من المشذب، عظيم الهامة، رجل الشعر، إن انفرقت عقيقته فرق، وإلا فلا يجاوز شعره شحمة أذنه، إذا هو وفره، أزهر اللون، واسع الجبين، أزج الحواجب، سوابغ، من غير قرن، بينهما عرق يدره الغضب، أقنى العرنين، له نور يعلوه، ويحسبه من لم يتأمله أشم، كث اللحية، أدعج، سهل الخدين، ضليع الفم أشنب، مفلج الأسنان، دقيق المسربة، كأن عنقه جيد دمية في صفاء الفضة، معتدل الخلق، بادناً، متماسكاً، سواء البطن والصدر، مشيح الصدر، بعيد ما بين المنكبين ضخم الكراديس، أنور المتجرد، موصول ما بين اللبة والسرة بشعر يجري كالخط، عاري الثديين، ما سوى ذلك، أشعر الذراعين والمنكبين وأعالي الصدر، طويل الزندين، رحب الراحة، شثن الكفين والقدمين، سائل الأطراف. [أو قال: سائن الأطراف]، سبط العصب، خمصان الأخمصين، مسيح القدمين، ينبو عنهما الماء، إذا زال زال تقلعا، ويخطو تكفأً، ويمشي هوناً، ذريع المشية، إذا مشى كأنما ينحط من صبب، وإذا التفت التفت جميعاً، خافض الطرف، نظره إلى الأرض أطول من نظره إلى السماء، جل نظره الملاحظة، يسوق أصحابه، ويبدأ من لقيه بالسلام. قلت: صف لي منطقه. قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم متواصل الأحزان، دائم الفكرة،

ليست له راحة، ولا يتكلم في غير حاجة، طويل السكوت، يفتتح الكلام ويختمه بأشداقه، ويتكلم بجوامع الكلم فصلاً، لا فضول فيه ولا تقصير، دمثاً ليس بالجافي ولا المهين، يعظم النعمة وإن دقت، لا يذم شيئاً، لم يكن يذم ذواقاً، ولا يمدحه، ولا يقام لغضبه إذا تعرض للحق بشيء حتى ينتصر له، ولا يغضب لنفسه ولا ينتصر لها، إذا أشار أشار بكفه كلها، وإذا تعجب قلبها وإذا تحدث اتصل بها، فضرب بإبهامه اليمنى راحه اليسرى، وإذا غضب أعرض وأشاح، وإذا فرح غض طرفه، جل ضحكه التبسم، ويفتر عن مثل حب الغمام “…[8].

وهو حديث طويل، كل ما فيه موجود في هذه القصيدة العينية ونفترض أن شاعرنا اقتبس هذه القصيدة منه، ولذلك أوردنا جل هذا الحديث من كتاب الشفا.

أقوال أصحابه وأقاربه وأتباعه في وصف شمائله صلى الله عليه وسلم.

ذكر الإمام العلامة الشيخ يوسف النبهاني رحمه الله في كتابه (المجموعة النبهانية في المدائح النبوية) عدداً كبيرًاً من أقارب الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه، الذين مدحه بعضهم بقصائد، وبعضهم بأبيات، منهم[9]:

  • أبو جرول زهير بن صراد الجشمي رضي الله عنه.
  • عمر بن مالك الخزاعي رضي الله عنه.
  • كعب بن زهير رضي الله عنه.
  • أبو طالب عم النبي صلى الله عليه وسلم.
  • حمزة رضي الله عنه عم النبي صلى الله عليه وسلم.
  • أبو بكر الصديق رضي الله عنه.
  • علي بن أبي طالب كرم الله وجهه.
  • فاطمة الزهراء رضي الله عنها.
  • صفية بنت عبد المطلب عمة النبي صلى الله عليه وسلم.
  • حسان بن ثابت رضي الله عنه.
  • وغيرهم.

ونبث هنا قصيدة لعمه أبو طالب رضي الله عنه:

وأبيض يستسقى الغمام بوجهه *** ثمال اليتامى، عصمة للأرامل

 يطوف به الهلّاك من آل هاشم *** فهم عنده في نعمة وفواضل

 كذبتم – وبيت الله – نبزي محمدًا *** ولما نطاعن دونه ونناضل

ونسلمه، حتى نصرع دونه *** ونذهل عن أبنائنا والحلائل

وقال حسان بن ثابت رضي الله عنه شاعر رسول الله صلى الله عليه وسلم وناصره:

وأجمل منك لم تر قط عيـنـي وأكـمـل منك لم تلد النساء

خلقـت مـبرأ من كل عـيـب      كـأنك قد خلقـت كمـا تشاء

وقال كعب بن زهير رضي الله عنه:

إن الرسـول لنور يستضاء به مهند من سيـوف الله مسلول

وقال الإمام البوصيري رحمه الله[10]:

منـزه عن شريـك في محاسنـه فجوهر الحسن فيه غير منقسم

دع ما ادعته النصارى في نبيـهم واحكم بما شئت مدحًا فيه واحتكم

وقال الإمام يوسف النبهاني رحمه الله [11]:

طال شوقي لطيبة الطيبات موطن المكرمـات والبركات

ليت شعري يا سعد بعد نزوحي هل أراهـا بأعينـي النازحات

وقال الإمام عبد الرحمن البرعي[12]:

إذا مدح المداح أربـاب عصرهم مدحت الذي من نوره الكون يبـهج

وإن ذكروا ليـلى ولبنـى فإننـي بذكر الحبيب الطيب الذكر ألهـج

إن الشعراء الذين مدحوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، من الصحابة والتابعين ومن تبعهم كثيرون لا يمكن عدهم وحصرهم. وقد جمع الشيخ يوسف بن إسماعيل النبهاني رحمه الله كتابًا في أربع مجلدات يضم كثيرًا مما قاله فحول الشعراء منذ عهد الصحابة إلى زماننا. والذي يتتبع الآداب التي كتبت بلغات مختلفة يجد مساهمة إسلامية كبيرة في مدح الرسول صلى الله عليه وسلم في مختلف القارات ومختلف البلاد بمختلف اللغات. وفي أفريقيا هناك مادحون للرسول صلى الله عليه وسلم بلغاتهم الإفريقية، كلغة هوسا، ولغة الفلاتة، ولغة الغلف، ولغة بنبرة، واللغة السواحلية، وغير ذلك من اللغات الإفريقية التي تأثر أصحابها بمحبة النبي صلى الله عليه وسلم، وتأثروا بأوصافه وشمائله.

بعض المؤلفات التي اهتمت بالشمائل النبوية

إن أغلب كتب السنة المؤلفة لا تخلو من باب أو فصل في شمائل النبي محمد صلى الله عليه وسلم، منها كُتب الصحاح والسنن والمسانيد، التي كلها تعج بذكر أحاديث في شمائل النبي صلى الله عليه وسلم. وهناك كتب انفردت بذكر الشمائل، نذكر منها الآتي:

1/ الإمام أبو عيسى الترمذي، الشمائل المحمدية والخصائل المصطفوية.

2/ الشيخ عبد الله الشرقاوي، شرح مختصر الشمائل المحمدية.

3/ الشيخ يوسف بن إسماعيل النبهاني، وسائل الوصول إلى شمائل الرسول صلى الله عليه وسلم.

4/ الشيخ إبراهيم صالح الحسيني مفتي نيجيريا حفظه الله، سيرة الرسول الأعظم.

5/ الشيخ محمد فتح الله كَولن، النور الخالد محمد صلى الله عليه وسلم مفخرة الإنسانية.

6/ العلامة محمد علوي المالكي، الإنسان الكامل.

خلفية تاريخية عن الشيخ إبراهيم إنياس رحمه الله

مولده:

ولد الشيخ إبراهيم نياس يوم الخميس نهارًا في السادس عشر، رجب الفرد عام ألف وثلاثمائة وثمان عشرة على القول الأرجح، سنة (1318هـ)، في قرية من قرى (سالم) لعائلة والده تسمى (طَيْبَ انيسَيْنِ)، يفصل بينها وبين كولخ (58) كيلو مترا تقريباً.[13] والشيخ هو المولود الوحيد لوالده في تلك المنطقة، إذ إن إخوانه ولدوا أثناء الهجرة، وقد كان اسمها ” ته به ” باللغة الولوفية ومعناها “من سئم ترك ” وبدله الشيخ باسم (طيبه) تيمنا بطيبة رسول الله صلى الله عليه وسلم.[14]

نشأته:

لقد نشأ الشيخ في كنف والديه، فكان أول من تربى على يدها أمه البرة السيدة عائشة (جَانْقُ) وقد أرضعته حولين كاملين حتى صار طفلا جميلا كاملا.[15] وعند الخامسة من عمره بدأ بتعلم القرآن الكريم على يد والده العلامة الحاج عبد الله رضي الله عنه، وحفظه بعد زهاء ثماني سنوات برواية ورش عن نافع.[16]

فكان تكوينه كله في حجر والده، وأنّ والده هو الذي رباه وأدبه، كما غذاه بعلومه وسقاه بمعارفه إذ علمه قراءة القرآن حتى حفظه، ودرس عليه العلوم النقلية والعقلية حتى حذقها.

وكانت نشأته مثالاً للهمة والنشاط المدعمين بالذكاء، وقد ظهرت منه النجابة والعفاف والديانة والمروءة منذ الصغر، ثم شمر عن ساعد الجد والاجتهاد في تحصيل العلوم الرسمية النقلية والعقلية، المنطوق منها والمفهوم، حتى استفاد وأفاد.[17]

كان والده المذكور يهتم بتربيته وتعليمه اهتمامًا كبيرًا، وكان شديد التعلق به، حتى صار لا يفارقه إلا لضرورة، وكان يستغرق جميع أوقاته في مطالعة دروسه عند والده، ومن همته العالية أنه كان إذا أرسله والده لتفقد أحوال مزرعته يذهب في الصباح الباكر بكتبه ويصعد فوق شجرة ويراجع دروسه إلى المساء ولا يوقفه عنها إلا الصلاة المفروضة.

ولحرصه في التعليم يقال إنه حاول تعلم اللغة الفرنسية في صغره بالإضافة إلى دروسه العربية، غير أن والده منعه عنها فامتنع واكتفى باللغة العربية. وكان يقول رضي الله عنه: “لو كان لي في اللغة الفرنسية والإنجليزية باع لحملت الإسلام إلى كل باب من أبواب الأوروبيين.”[18]

“كان الشيخ إبراهيم نياس باراً بوالديه، وكان لا يفارق أباه ليلا ونهارا للقيام بخدمته والاقتباس من علومه وآدابه، حتى إن بعض إخوانه يمازحونه في ذلك بقولهم له: “أنت تعبد أباك كما تعبد ربك!”[19]

ومما رباه والده عليه هو وإخوته، حب آل البيت، فجعلهم حريصين على حب الشرفاء من أهل البيت، وقد امتاز الشيخ إبراهيم في ذلك عن إخوته بكثير، من بين ذلك أن بيته قد صار منزلاً لكبار الضيوف والشرفاء الغادين منهم والرائحين، قاصدين خيره وإحسانه طيلة حياته. وكان الشيخ إبراهيم نياس مشهورًا بمحبة المصطفى صلى الله عليه وسلم وآل بيته وملته وسنته وكل ما يمت إليه بصلة منذ صغره، وأبرز دليل على ذلك كثرة أمداحه له بقصائده ودواوينه.[20]

مؤلفاته:

للشيخ عشرات المؤلفات في التصوف والفقه والشعر، منها:

  1. كاشف الإلباس عن فيضة الختم أبي العباس.
  2. رفع الملام عمن رفع وقبض اقتداء بسيد الأنام.
  3. البدور السطع شرح المرهفات القطع.
  4. تبصرة الأنام في أن العلم هو الإمام. [21]في المديح النبوي:
  5. تيسير الوصول إلى حضرة الرسول صلى الله عليه وسلم.
  6. إكسير السعادات في مدح سيد السادات.
  7. سلوة الشجون في مدح النبي المأمون.
  8. أوثق العرى في مدح سيد الورى.
  9. شفاء الأسقام في مدح خير الأنام.
  10. مناسك أهل الوداد في مدح خير العباد.
  11. نور الحق في مدح الذي جاء بالصدق.

تخصص الشيخ في أمداح الرسول صلى الله عليه وسلم، حيث يقول[22]:

وألحق بهم من قد علمت وطهرن جميع بلاد الله للديـن تخلص

لدى عرفات والمقام فخاطري تجرد للهادي العباد المخلص

أوحـد ربي ثم أهـوى محمـدا وأثنـي على الهادي وفيه تخصصي

لذا كان له إنتاج ضخم في هذا المجال، منها هذه الدواوين الشعرية التي سنذكرها. والحق يقال، إن للشيخ مساهمة ضخمة في إثراء الأدب العربي الأفريقي، فقد جمع سيدي الشيخ محمد بن الشيخ عبد الله التجاني، خمسة أجزاء ضخام من الشعر؛ خصص مجلدين لأشعار الشيخ إبراهيم إنياس، وهي ستة عشر ديوانًا؛ وخصص ثلاثة مجلدات للشعراء الذين مدحوا الشيخ أو مدح طريقته أو مدح بلاده من الأفارقة، من موريتانيا ونيجيريا والسنغال والسودان ومالي والنيجر وتشاد، وغير ذلك من البلاد الإفريقية.

ويعتبر عمل الشيخ محمد مساهمة كبيرة وهامة في الحفاظ على الأدب العربي الأفريقي، والكتاب مطبوع متداول.

عرض وتحليل للقصيدة العينية لمولانا الشيخ إبراهيم إنياس رحمه الله

تعد دواوين الشيخ إبراهيم إنياس رحمه الله من أبرز ما أنتجه الأدب العربي الإفريقي، بل من أبرز ما أنتجه الأدب العربي الإسلامي، وهذا بشهادة فحول علماء اللغة والأدب، أمثال: البروفيسور عبد الله الطيب السوداني رحمه الله. وقد اعتنى أتباعه بهذا الديوان حفظًا ودراسةً وشرحًا، وخصصت بحوث كثيرة في مستوى الماجستير والدكتوراه في جامعات مختلفة في دراسة هذا الديوان.

قصيدة مولانا شيخ الإسلام الشيخ إبراهيم إنياس الكولخي في الشمائل النبوية.

القصيدة العينية:

أبرق بدى نحو المرابع يلمــــــــع *** فهبني امرءاً إذ يلمع البرق يدمــــــعُ

لمحت بوهن ويك هِجت صبابــــة *** ورقراقَ دمعٍ ساعة الحيِّ تهجــــــــعُ

تذكّرت أيّام الصِّبا وهي قد مضتْ *** ولم يبق إلا لوعةٌ وتوجُّــــــــــــــــــــعُ

سقى الله أرضاً بالمدينة إنَّهــــــا *** مـــــحطُّ رحالٍ فيه خّرْقِيَ يُرْقَـــــــــــعُ

ديار حبيب الله وهو أمينُـــــــــــهُ *** ديارٌ بها تُلْفى المرافقُ أجمــــــــــــــعُ

ديار لمن هام الفؤاد بحبّـــــــــــه *** وتذكاره للقلبِ مرعىً ومرْتــــــــــــــعُ

ديار لأعلى الخلق خُلْقاً وخِلْقــــةً *** ديار لمن في الخلق يعطِى ويمنـــعُ

وأكرمهِم نفساً وصِهراً ونِسْبــــةً *** وعِلْماً وآداباً وأتْقى وأخْشَـــــــــــــعُ

فقد كان خير الخلق فخماً مفخّماً *** وذو هيبةٍ والمشْيُ فيهِ تقلُّـــــــــــــعُ

وأزْهرُ لونٍ أدعجُ العين تــزدري *** بعين مَهىً عند الخميلةِ ترْتـــــــــــعُ

وأنجلُ عينٍ أهْدبُ الشَّفْرِ واســعٌ *** جبينُ رسول الله والخَلْقُ أوســــــعُ

أزجُّ وأقنى وجه طه مـــــــــــدوّرٌ *** ولِحْيتهُ كثاً وصدرٌ موسَّــــــــــــــــعُ

ومنكِبهُ أَعْظِمْ به وعِظامــــــــــهُ *** ضِخامٌ وربعُ الفذِّ طه المرفَّــــــــــعُ

كذا عضُدٌ عبْلٌ وعبْلٌ ذِراعُـــــــهُ *** مُرحَّبُ راحاتٍ والانوار تلمــــــــــعُ

وسائِلُ أَطْرافٍ وغيرُ مشـــــــذّبٍ *** عظيمُ كرادِيسٍ من الخلْقِ أرْفـــــعُ

وأشنبُ ثغْرٍ إن تبسّمَ ينجَلــــــــي *** كحَبٍّ غمامٍ أو لكالبرقِ يلمـــــــــعُ

وهامتهُ عُظمى لِشعرٍ ترجُّــــــــلٌ *** وخافض طرفٍ ساكتٌ فهو يخشـــعُ

وأحزانهُ موصولةٌ بتفكُّـــــــــــــرٍ *** وإن قال قال الفضْلَ والحقَّ يرْجِــــعُ

وينظر لحْظاً وهو للأرضِ غالبـا *** يسوقُ صِحاباً والملائكُ تتبـــــــــــعُ

وكاللؤلؤِ المكنون والمسكِ عَرْقُهُ *** فمثْل رسولِ الله لم يحظَ مَجمَـــــــعُ

وكاللؤلؤِ المكنون والمسكِ عَرْقُهُ *** فمثْل رسولِ الله لم يحظَ مَجمَـــــــعُ

ويخدَمُ للأهلين يخصِفُ نعلـــــــــهُ *** ويقطع لحماً وهو للثوب يرقَــــــــعُ

أشدُّ حياءً وهو يأتي لمن دعــــــا *** ويغضب للمولى إلى الحقّ يرجــــعُ

ولم يتورّع عن حلالٍ ولو حــــــلاَ *** ولم تُلفهِ في غالب الوقت يشْبــــعُ

ويركب أحيانا جوادا ومـــــــــــرَّةً *** حماراً وحيناً راجلاً يتقلَّـــــــــــــــعُ

كذلك في الملبوس والطِّيبُ فائحٌ *** يجالسُ أقواماً والأصواتُ ترفـــعُ

ويمزحُ أحياناً يولِّفُ مــــــــــــرَةً *** وما هاب مُلكاً قطُّ فالشّانُ أرفـــعُ

وما حقّرَ المسكينَ يدعو جميعَهم *** وبالله مولى الخلقِ ذا الخلْقَ يجمــعُ

وأكرمه المولى أجلّ كرامــــــــةٍ *** وخصّصه من للخلائقِ ينفــــــــــــعُ

عليه صلاة الله ما ذرّ شـــــــارِقٌ *** وغنّتْ حماماتٌ على الغُصْنِ تسْجَعُ

وما رُدَّ ضيمُ الدَّهْرِ عن ساحة الذي *** يزخرف أمداحاً ويشدو ويسجــــعُ

وآلٍ وأصحابٍ مدى قول شيِّـــــــــقٍ *** أبرقٌ بدا نحو المرابعِ يلمـــــــــــعُ

تحليل القصيدة:

تعتبر هذه القصيدة من فرائد قصائده التي لم تنسج على منوال مسبوق، ولا على أسلوب معروف، وهي تسمى بالعينية التي ذكر فيها جل صفاته الخُلقية والخَلقية صلى الله عليه وسلم، ومطلعها:

أبرق بدى نحو المرابع يلمــــــــع *** فهبني امرءاً إذ يلمع البرق يدمــــــعُ

لمحت بوهن ويك هِجت صبابــــة *** ورقراقَ دمعٍ ساعة الحيِّ تهجــــــــعُ

تذكّرت أيّام الصِّبا وهي قد مضتْ *** ولم يبق إلا لوعةٌ وتوجُّــــــــــــــــــــعُ

سقى الله أرضاً بالمدينة إنَّهــــــا *** مـــــحطُّ رحالٍ فيه خّرْقِيَ يُرْقَـــــــــــعُ

فالمطلع يعد من إحدى المطالع الطللية الرائعة التي استخدمها مولانا رضي الله عنه، كما أن القصيدة معارضة لقصيدة ابن الفارض، وإن اختلفتا في القافية، حيث إن قصيدة ابن الفارض قافية مؤسسة:

أبرق بدا من جانب الغور لامـع *** أم ارتفعت عنه وجه ليل البرافع

وقصيدة ابن الفارض تتحدث عن مكة المكرمة، بينما قصيدة الشيخ تتحدث عن المدينة المنورة.

وفي المقطع الثاني من قصيدته العينية دعا للمدينة بالسقيا فقال:

سقى الله أرضاً بالمدينة إنَّهـا مـحطُّ رحالٍ فيه خَرْقِيَ يُرْقَـعُ

ثم ذكر دار المدينة وما فيها من المزايا والخصائص والفضائل، فقال:

ديار حبيب الله وهو أمينُـــــــــــهُ *** ديارٌ بها تُلْفى المرافقُ أجمــــــــــــــعُ

ديار لمن هام الفؤاد بحبّـــــــــــه *** وتذكاره للقلبِ مرعىً ومرْتــــــــــــــعُ

وقد اكتسبت المدينة مكانتها من مكانته صلى الله عليه وسلم، كما ورد في أبياته السالفة.

ثم شرع في مدح صاحب المدينة مع ذكر شمائله العظيمة صلى الله عليه وسلم، فقال:

وأكرمهِم نفساً وصِهراً ونِسْبــــةً *** وعِلْماً وآداباً وأتْقى وأخْشَـــــــــــــعُ

فقد كان خير الخلق فخماً مفخّماً *** وذو هيبةٍ والمشْيُ فيهِ تقلُّـــــــــــــعُ

وأزْهرُ لونٍ أدعجُ العين تــزدري *** بعين مَهىً عند الخميلةِ ترْتـــــــــــعُ

وأنجلُ عينٍ أهْدبُ الشَّفْرِ واســعٌ *** جبينُ رسول الله والخَلْقُ أوســــــعُ

أزجُّ وأقنى وجه طه مـــــــــــدوّرٌ *** ولِحْيتهُ كثاً وصدرٌ موسَّــــــــــــــــعُ

ومنكِبهُ أَعْظِمْ به وعِظامــــــــــهُ *** ضِخامٌ وربعُ الفذِّ طه المرفَّــــــــــعُ

كذا عضُدٌ عبْلٌ وعبْلٌ ذِراعُـــــــهُ *** مُرحَّبُ راحاتٍ والانوار تلمــــــــــعُ

وسائِلُ أَطْرافٍ وغيرُ مشـــــــذّبٍ *** عظيمُ كرادِيسٍ من الخلْقِ أرْفـــــعُ

وأشنبُ ثغْرٍ إن تبسّمَ ينجَلــــــــي *** كحَبٍّ غمامٍ أو لكالبرقِ يلمـــــــــعُ

وهامتهُ عُظمى لِشعرٍ ترجُّــــــــلٌ *** وخافض طرفٍ ساكتٌ فهو يخشـــعُ

وأحزانهُ موصولةٌ بتفكُّـــــــــــــرٍ *** وإن قال قال الفضْلَ والحقَّ يرْجِــــعُ

وينظر لحْظاً وهو للأرضِ غالبـا *** يسوقُ صِحاباً والملائكُ تتبـــــــــــعُ

وكاللؤلؤِ المكنون والمسكِ عَرْقُهُ *** فمثْل رسولِ الله لم يحظَ مَجمَـــــــعُ

وكاللؤلؤِ المكنون والمسكِ عَرْقُهُ *** فمثْل رسولِ الله لم يحظَ مَجمَـــــــعُ

ويخدَمُ للأهلين يخصِفُ نعلـــــــــهُ *** ويقطع لحماً وهو للثوب يرقَــــــــعُ

أشدُّ حياءً وهو يأتي لمن دعــــــا *** ويغضب للمولى إلى الحقّ يرجــــعُ

ولم يتورّع عن حلالٍ ولو حــــــلاَ *** ولم تُلفهِ في غالب الوقت يشْبــــعُ

ويركب أحيانا جوادا ومـــــــــــرَّةً *** حماراً وحيناً راجلاً يتقلَّـــــــــــــــعُ

كذلك في الملبوس والطِّيبُ فائحٌ *** يجالسُ أقواماً والأصواتُ ترفـــعُ

ويمزحُ أحياناً يولِّفُ مــــــــــــرَةً *** وما هاب مُلكاً قطُّ فالشّانُ أرفـــعُ

وما حقّرَ المسكينَ يدعو جميعَهم *** وبالله مولى الخلقِ ذا الخلْقَ يجمــعُ

وأكرمه المولى أجلّ كرامــــــــةٍ *** وخصّصه من للخلائقِ ينفــــــــــــعُ

شاءت حياة الحب والشوق وفرضت ظروف الود على مشاعر الشيخ إلى إبداع رائع في وصف المدينة ورغبته الشديدة إلى لقائه بالحبيب، حيث تقول كلمات القصيدة في همساتها: هذا هو الحب، انظر إليه بعين البصيرة والإمعان، تظفر بالقرب والأمان مع الضمان في الدارين.

فمن المطلع إلى البيت التاسع نجد فيه وصفًا سيميائيًا للمدينة المنورة، إذ ذكر لمعان البرق الذي ظهر من جهة المدينة فأراه ديار حبيبه، وذلك في وقت ما من الليل، فهيج شوقه فاغرورقت عيناه وأسبلتا دموعاً غزيرةً ابتلت لحياه، والحال أن أهل الحي قد استغرقوا في النوم العميق، ثم عاتب نفسه بتذكرها لأيام الصبا التي قد مضت ولم يبق إلا اللوعة والتوجع والألم. وشرع يدعو لبقاء المدينة بالسقيا، ففيها يتم إصلاح ما تعدت عليه يد الزمان، فالمدينة ديار حبيب الله صلى الله عليه وسلم، والتي فيها تجد نفسه جميع ما تهوى من الرفاق والأخلاء والأحباب والآثار التي عاشت معه صلى الله عليه وسلم، واللين والعطف والشفقة. فتذكاره للمدينة يمنح قلبه الراحة والاطمئنان.

ثم مهد في المطلع الثاني بذكر فضل الرسول صلى الله عليه وسلم بين الخلق، فقال إنه أفضل الخلق خُلقا وخِلقة، وهنا مربط الفرس وهو عنوان القصيدة، وما بعده تفصيل لما ذكره. فقد ذكر أنه صلى الله عليه وسلم أكرم الناس نفسًا وصهرًاً:

“أنا سيد ولد آدم ولا فخر، وأنا أول من تنشق الأرض عنه يوم القيامة ولا فخر، وأنا أول شافع ولا فخر، ولواء الحمد بيدي يوم القيامة ولا فخر”[23]؛ وأصهاره هم أفضل خلق الله تعالى بعد الأنبياء والرسل. أما العلم والأدب والتقوى، فهو ينبوع لكل هذه الخصال، فهو مصدرها، وإنه في العلم غاية، ﴿علمه شديد القوى﴾ [سورة النجم، الآية: 5]. وقمة في الأدب والخلق: “أدبني ربي فأحسن تأديبي”[24]، “… أما والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له، لكني أصوم وأفطر، وأصلي وأرقد، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني “[25]،﴿وإنك لعلى خلق عظيم ﴾[سورة القلم، الآية: 4]. فهو مؤدب من الله؛ أما التقوى، فهو إمام المتقين وقائد الغر المحجلين، وهو إمام الأنبياء والمرسلين، أَمَّهُمْ عندما عرج به صلى الله عليه وسلم.

وهنا يظهر تأثر الشيخ بالكتاب والسنة، فما ورد في هذه الأبيات اقتباس من الآثار الواردة عن شمائله صلى الله عليه وسلم من كتب الأحاديث النبوية والسير، ومن ذلك أنه صلى الله عليه وسلم: أزهر اللون، أدعج، أشكل، أهدب الأشفار، أبلج، أزج، أملح، مدور الوجه، واسع الجبين، كث اللحية تملأ صدره، سواء البطن والصدر، واسع الصدر، عظيم المنكبين، ضخم العظام، قوي العضدين والذراعين والأسافل، رحب الكفين والقدمين، سائل الأطراف… أحسن الناس عنقًا، متماسك البدن.

وختم المقطع بقوله:

وكاللؤلؤِ المكنون والمسكِ عَرْقُهُ فمثْل رسولِ الله لم يحظَ مَجمَـعُ

وتناول الشيخ في المقطع الأخير أخلاقه الفاضلة، فذكر حلمه وحياءه، وقيامه لخدمة أهله ونفسه، وإجابته لمن دعاه كائنا من يكون، وغضبه لربه لا لنفسه، ولم يترك الحلال زاهداً عنه، وحياته مليئة بالعبر والمواعظ الحسنة؛ فهو صلى الله عليه وسلم يبيت جوعان فيطعمه ربه، ويركب الحمار تواضعًا ويردف عليه تواضعاً، وأحيانا يمشي راجلاً يتقلع من دون تبختر وتعظم، ويعتني بهندامه. وكان يلبس لباسًا جميل المنظر، وجالس أصحابه بكل طبقاتهم، الفقراء والأثرياء وذوي العاهات، يحدثهم ويسمع منهم ويمزح معهم في بعض الأحايين صلى الله عليه وسلم، ولكن مزاحه كله في الحق. وفي الحديث الذي جاءته امرأة عجوز تقول: يا رسول الله: ادع الله لي أن يدخلني الجنة، فقال لها: “يا أم فلان! إن الجنة لا يدخلها العجوز”. فانزعجت المرأة وبكت، ظنًا منها أنها لن تدخل الجنة. فلما رأى ذلك منها، بين لها غرضه: أن العجوز لن تدخل الجنة، بل ينشئها الله خلقًا آخر، فتدخلها شابة بكرًا… وتلا عليها قول الله تعالى: ﴿إنا أنشأناهن إنشاء فجعلناهن أبكارا﴾ [سورة الواقعة، الآيتان: 3635][26]. وهو اجتماعي يألف ويؤلف، ويحب المسكين. وكان صلى الله عليه وسلم يقول: “اللهم احشرني مع المساكين”، ويدعو جميع الفئات والطبقات الاجتماعية، الأثرياء والفقراء، يدعوهم إلى الله ويجمعهم فيه، بحيث يشعر الكل أنه أمام الله، ولا يميز نفسه عن غيره.

بعد ذكر هذه الشمائل والخصال الحميدة والأخلاق السنية، والذي اعتمدت في سردها كما ورد في القرآن الكريم، ﴿وإنك لعلى خلق عظيم﴾ [سورة القلم، الآية: 4]. ﴿فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر فإذا عزمت فتوكل على الله إن الله يحب المتوكلين﴾ [سورة آل عمران، الآية: 159]. ووصفه صلى الله عليه وسلم كما في الموطأ: “كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس بالطويل البائن، ولا بالقصير، ولا بالأبيض الأمهق، ولا بالآدم، ولا بالجعد القطط، ولا بالسبط، بعثه الله تعالى على رأس أربعين سنة، فأقام بمكة عشر سنين، وبالمدينة عشر سنين، وتوفاه الله تعالى على رأس ستين سنة، وليس في رأسه ولحيته عشرون شعرة بيضاء صلى الله عليه وسلم”[27].

وفي باب ما جاء في صفاته صلى الله عليه وسلم، قال أبو هريرة رضي الله عنه: ” ما رأيت أحسن من رسول الله صلى الله عليه وسلم، كأن الشمس تجري في وجهه”[28].وعن أنس بن مالك قال: “كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ربعة، ليس بالطويل ولا بالقصير، حسن الجسم، وكان شعره ليس بجعد ولا سبط، أسمر اللون، إذا مشى يتكفأ”[29].

الخاتمة

انطلاقا من قوله تعالى: ﴿وإنك لعلى خلق عظيم﴾ [سورة القلم، الآية: 4]. واستنادا إلى ما ورد في الأثر عن الصحابة والتابعين من وصف شمائله صلى الله عليه وسلم، عكف المسلمون الأوائل في العالم الإسلامي على المضي قدمًا في إحياء هذه السنة الحية، وكان لكتَّاب إفريقيا الحظ الوافر من أمثال النبهاني، والبوصيري الذي قال فيه الشيخ رحمه الله:

فما ترك البوصيري قولاً لقائل وكعب وحسان في المديح تكلموا

وكان لمولانا شيخ الإسلام الشيخ إبراهيم إنياس في إفريقيا نصيب الأسد في مدح الرسول صلى الله عليه وسلم وذكر شمائله الخُلقية والخَلقية، فوصفه كما هو صلى الله عليه وسلم. ولعل الشيخ قد انفرد دون غيره من الشعراء بهذه القصيدة العينية، التي وصف فيها شمائله صلى الله عليه وسلم الخُلقية والخَلقية، والتي اقتبس فيها من الألفاظ الحديثية والقرآنية، وأظهر تأثره وتقيده بالكتاب والسنة، وخاصة كتاب الشفا للقاضي عياض المغربي الإفريقي، كما توحي لسامعها وقارئها مدى تعمقه في حبه صلى الله عليه وسلم، وهو رضي الله عنه كلما نال شرف زيارته يقول مدحاً في حقه، فهو القائل:

لقد دعانـي شوق المبرح إذ دنـا      مزار حبيب الله والصبح أعلنا

وهو القائل:

سلام على قبر حباه إلهنـا بتضمين أعضـاء العظيـم المعظم

سلام على جزء تضمن كله تخصيص رب جـاز لي بالتكـرم

وهو القائل:

لئن وطأت رجلـي ديار محمـد           أصم أقم شكرا لربي وأغنم

ويعد مطلع قصيدته من المطالع الطللية الرائعة، وهي في أربعة أبيات. ثم انتقل إلى ذكر المدينة المنورة الشريفة وخصائصها المعروفة، وذكر علو مكانتها لضمها أعلى الناس في ثلاثة أبيات.

ثم شرع بعد ذلك في مدح صاحب المدينة فذكر شمائله صلى الله عليه وسلم، ولم يذكره بغير ما ورد في الأثر من أقوال الصحابة والتابعين، وقد أبدع وأنجز وقدم ما لم يقدمه الكثيرون في هذا المجال، وبذلك نال الشيخ إبراهيم إنياس الكولخي منزلة عالية بين الشعراء في إفريقيا وخارجها.

الهوامش

[1] – ابن منظور، لسان العرب، دار صادر، بيروت لبنان، 1414هـ. مادة (ش).

[2] – القاضي عياض، الشفا بتعريف حقوق المصطفى، مكتبة الهدي المحمدي، الطبعة الأولى 2015م، ص:15.

[3] م، ص:23.

[4] – هشام الكامل حامد، الإشراقيات السنية بشرح الشمائل المحمدية للإمام الترمذي، دار المنار للطبع والنشر والتوزيع،

[5] -المرجع السابق، ص:33.

[6] – هشام الكامل حامد، الإشراقيات السنية بشرح الشمائل المحمدية للإمام الترمذي، المرجع السابق، ص:43.

[7] -المرجع السابق، ص:63.

[8] – القاضي عياض، الشفا بتعريف حقوق المصطفى، المرجع السابق، ص:421.

[9] – يوسف بن إسماعيل النبهاني (الشيخ)، المجموعة النبهانية في المدائح النبوية، دار الكتب العلمية، بيروت – لبنان،

[10] – الإمام البوصيري، ديوان الإمام البوصيري، المكتبة الإسلامية، 2018م.

[11] – يوسف بن إسماعيل النبهاني (الشيخ)، المجموعة النبهانية في المدائح النبوية، المرجع السابق ص:344.

[12] – يوسف بن إسماعيل النبهاني (الشيخ)، المجموعة النبهانية في المدائح النبوية، المرجع السابق، ص:254.

[13] – من أخبار الشيخ إبراهيم نياس، ص 25 – 62.

[14] -صغير حسن عيسى، الشيخ إبراهيم نياس ومنهجه في التصوف، ص 7.

[15] -الروضة في تاريخ صاحب الفيضة، إبراهيم بن أبي بكر بن عثمان. ص 733.

[16] – إنسانيات داعية، إبراهيم بن البشير علي سيس، ص21.

[17] -إتحاف الإخوان بمآثر غوث الزمان، يعقوب أبوبكر غَرب، ص28 – 29.

[18] – إتحاف الإخوان بمآثر غوث الزمان، ص28 – 29.

[19] -إتحاف الإخوان، ص13.

[20] – إتحاف الإخوان، ص 33.

[21] – أمين يهوذا، بنية القصيدة في ديوان “سير القلب” للشيخ إبراهيم إنياس الكولخي، من منشورات مستشارية التزكية للتربية والتعليم، ط1، 1436ه – 2015م، ص32.

[22] -الشيخ محمد بن الشيخ عبد الله التجاني، آفاق الشعر عند الشيخ إبراهيم نياس رضي الله عنه، (د/ت)، المجلد الأول، ص:395.

[23] – أخرجه ابن ماجه في سننه، حديث رقم 4308، عن أبي سعيد رضي الله عنه.

[24] – أخرجه السيوطي في الجامع الصغير، عن عبد الله بن مسعود، حديث رقم 309.

[25] – أخرجه البخاري، حديث رقم 5063، عن أنس بن مالك.

[26] – أخرجه الترمذي في الشمائل مرسلاً، رقم الحديث 502.

[27] – مالك بن أنس (الإمام)، الموطأ للإمام مالك بن أنس رضي الله عنه، منشورات دار الآفاق الجديدة، المغرب، 1999م، ص: 108.

[28] – يوسف بن إسماعيل النبهاني (الشيخ)، الأنوار المحمدية من المواهب اللدنية، تحقيق محمد عزت، المكتبة التوفيقية،

(د/ت)، ص:751.

[29] – هشام الكامل حامد، الإشراقات السنية بشرح الشمائل المحمدية للإمام الترمذي، ص: 23.

المصادر والمراجع:

  • القرآن الكريم.
  • إبراهيم إنياس (الشيخ)، الدواوين الست، دار الحسام، 2010م.
  • إبراهيم بن أبي بكر بن عثمان، الروضة في تاريخ صاحب الفيضة، مخطوط.
  • إبراهيم بن البشير علي سيس، إنسانيات داعية، (د/ت).
  • ابن منظور، لسان العرب. دار صادر، بيروت- لبنان،1414هـ.
  • الإمام البخاري، صحيح البخاري، دار الحديث، القاهرة، 2004م.
  • الإمام البوصيري، ديوان الإمام البوصيري، المكتبة الإسلامية، 2018م.
  • أمين يهوذا، بنية القصيدة في ديوان “سير القلب” للشيخ إبراهيم إنياس الكولخي، من منشورات مستشارية التزكية للتربية والتعليم، ط1، 1436ه- 2015م.
  • هشام الكامل حامد، الإشراقيات السنية بشرح الشمائل المحمدية للإمام الترمذي، دار المنار للطبع والنشر والتوزيع، 2010م.
  • الحاج موسى سليمان، الجوهر المكنون في سيرة القطب المأمون، بدون مكان الطبعة، 2007م.
  • الشيخ محمد بن الشيخ عبد الله التجاني، آفاق الشعر عند الشيخ إبراهيم نياس رضي الله عنه، (د/ت)، المجلد الأول.
  • الشيخ محمد ولد الشيخ عبد الله التجاني، ماذا عن الشيخ إبراهيم، الشيخ محمد ولد الشيخ عبد الله التجاني، مطبعة مجمع اليمامة للنشر والتوزيع – تونس، 2012م.
  • صغير حسن عيسى، الشيخ إبراهيم نياس ومنهجه في التصوف. (د/ت).
  • القاضي عياض، الشفا بتعريف حقوق المصطفى، مكتبة الهدي المحمدي، الطبعة الأولى، 2015م.
  • مالك بن أنس (الإمام)، الموطأ للإمام مالك بن أنس رضي الله عنه، منشورات دار الآفاق الجديدة، المغرب، 1999م.
  • أبو عيسى الترمذي، سنـن الترمذي، دار الغرب الإسلامي، 1996م.
  • مسلم بن الحجاج، صحيح مسلم، دار الفكر، بيروت، لبنان.، 1432ه.
  • يعقوب أبوبكر غَرب، إتحاف الإخوان بمآثر غوث الزمان، مطبعة الملتزم للطبع والنشر، (د/ت).
  • يوسف بن إسماعيل النبهاني (الشيخ)، الأنوار المحمدية من المواهب اللدنية، تحقيق محمد عزت، المكتبة التوفيقية، (د/ت).
  • يوسف بن إسماعيل النبهاني (الشيخ)، المجموعة النبهانية في المدائح النبوية، دار الكتب العلمية، بيروت – لبنان، 1996م، الجزء الأول.

 

تحميل المقال بصيغة PDF