مجلة العلماء الأفارقة

مجلة العلماء الأفارقة مجلة علمية نصف سنوية محكمة تعنى بالدراسات الإسلامية والثوابت المشتركة بين البلدان الإفريقية تصدرها مؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة. تنشر فيها مقالات علمية تخدم أهداف المؤسسة المنصوص عليها في الظهير الشريف الصادر بشأنها

جهود العلماء الأفارقة في خدمة الثوابت الدينية المشتركة

Slider

قراءة في صور من ترحيب رسول الله صلى الله عليه وسلم بزواره

د. أحمد سالك أحمد محمود البشير
وزارة التهذيب الوطني- موريتانيا

مقدمة

الحمد لله الكريم المتعال المتصف بالكمال والجمال والجلال، الذي اصطفى خليله وحلاه بأحسن الخصال وكساه لبوس الكرامة وتوجه بتاج الوقار والكمال، وزكى قلبه ونور عقله وطهر لسانه ورفع ذكره ووضع عنه وزره وأحسن خلقه وخلقه، وخلد هذا في كتابه العزيز حيث قال: ﴿وإنك لعلى خلق عظيم﴾[1].

فكان رحمة مهداة ونعمة مسداة للبشرية خاصة وللكون عامة، ولهذا من الله علينا ببعثة هذا الرسول العظيم فقال: ﴿لقد من الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين﴾[2].

فقام بالمهمة خير قيام فأنقذنا الله به من الضلالة إلى الهداية ومن الجهالة إلى المعرفة ومن الفرقة إلى الألفة…

وجعل الله من أسس الإسلام محبة رسوله صلى الله عليه وسلم ونصرته، ففي الحديث: “لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين”[3].

ومن مقتضيات محبته ونصرته تعلم وتعليم سنته وسيرته وتربية الأمة على طريقته ومنهجه حتى يعم انتفاع البشرية برحمته، وقد فاز خدام السيرة والسنة بقصب السبق في تعريف العالم بنبي الرحمة ومنقذ البشرية، من خلال بحوث السيرة العطرة، ومن أهمها: مبحث الشمائل المحمدية، التي تبارى في تناولها بالتأليف العلماء قديما وحديثا، ولعل أولهم أبو البحتري وهب بن وهب الأسدي المتوفى سنة 200هـ في كتابه صفة النبي صلى الله عليه وسلم وتلته مؤلفات القدامى، ومن أهم المطبوع منها:

  • الشمائل، لأبي عيسى محمد بن عيسى الترمذي المتوفى سنة 279هـ.
  • أخلاق النبي وآدابه لأبي الشيخ الأصفهاني المتوفى سنة 369 هـ.
  • الشفا بتعريف حقوق المصطفى للقاضي أبي الفضل عياض اليحصبي المتوفى سنة 544هـ.
  • شمائل الرسول صلى الله عليه وسلم لابن كثير المتوفى سنة 774 هـ.
  • الشمائل الشريفة لعبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي المتوفى سنة 911هـ.

وفي العصر الحديث ظهرت أعمال مفيدة من أبرزها:

  •  شخصية رسول الله صلى الله وسلم بين تصوير الوحي وتصورات الدارسين للدكتور سعيد المغناوي حفظه الله.
  • الرسول صلى الله عليه وسلم لسعيد حوى رحمه الله.

والشمائل جمع شمئل بكسر الهمزة وهو الطبع، والمقصود صورته الظاهرة والباطنة، وهي نفسه وأوصافه، كما قال السيوطي[4].

وقد اخترت جانبا معبرا عن كمال الخلق النبوي في علاقته بالناس وكيف كان يستقبل زواره وضيوفه ومن يقابلونه.

وقد قسمت المقال إلى خمسة أقسام:

  • – ترحيبه بأهل بيته.
  • – ترحيبه بالرجال من الصحابة.
  • – ترحيبه بالنساء من الصحابة.
  • – ترحيبه بالوفود والجماعات.
  • – ترحيبه بأهل السوء.

وقد آثرت استجلاب الشواهد على مسألة الترحيب واستقبال الزوار، مع ما يلزم من ملابساتها، الخاصة ومتعلقاتها، المختلفة باختلاف الأشخاص أو الجماعات، وما يناسب كل حالة، ليظهر للقارئ كمال الأدب النبوي، ويسعد بمشاهدة النهج المحمدي في هذه الحيثية، واكتفيت بتعليق مختصر خوف تضخم المقال.

1 -الترحيب بأهل بيته

  • ترحيبه صلى الله عليه وسلم بفاطمة

قَالَتْ عَائِشَةُ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لِفَاطِمَةَ عَلَيْهَا السَّلاَمُ: مَرْحَبًا بِابْنَتِي.

عَائِشَةُ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَتْ: إِنَّا كُنَّا أَزْوَاجَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عِنْدَهُ جَمِيعًا لَمْ تُغَادَرْ مِنَّا وَاحِدَةٌ فَأَقْبَلَتْ فَاطِمَةُ – عَلَيْهَا السَّلاَمُ – تَمْشِي لاَ وَاللَّهِ مَا تَخْفَى مِشْيَتُهَا مِن مِشْيَةِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَلَمَّا رَآهَا رَحَّبَ قَالَ: مَرْحَبًا بِابْنَتِي ثُمَّ أجْلَسَهَا عَنْ يَمِينِهِ، أَوْ عَنْ شِمَالِهِ ثُمَّ سَارَّهَا فَبَكَتْ بُكَاءً شَدِيدًا فَلَمَّا رَأَى حُزْنَهَا سَارَّهَا الثَّانِيَةَ إِذَا هِيَ تَضْحَكُ[5].

فيه بيان فضل فاطمة، وتعزيته لها ثم سلاها بذكر مكانتها عند الله فهي سيدة نساء الأمة.

  • ترحيبه بعلي عندما جاء يخطب فاطمة

عَن بُرَيدة قال: قال نفر لعلي، رضي الله عنه، لو خطبت فاطمة رضي الله عنها فأتى النَّبِيّ صَلَّى الله عَلَيه وَسَلَّم فقال: ما حاجة علي؟ قال: ذكرت فاطمة بنت رسول الله صَلَّى الله عَلَيه وَسَلَّم. قال: مرحبا وأهلا لم يزده عليهما، فخرج علي، رضي الله عنه، إلى أولئك الرهط وهم ينتظرونه، قالوا: ما وراءك؟ قال: لا أدري غير أنه قال لي: مرحبا وأهلا. قالوا: يكفيك من رسول الله صَلَّى الله عَلَيه وَسَلَّم أعطاك الأهل وأعطاك المرحب[6].

اكتفى بالترحيب عن التصريح بالموافقة.

  • ترحيبه بعقيل بن أبي طالب رضي الله عنه

روى العقيلي عن جده عن جابر أن عقيلا دخل على النبي صلى الله عليه وسلم فقال: مرحبا بك أبا يزيد كيف أصبحت؟ قال: صبحك الله بخير يا أبا القاسم[7].

إظهار الاهتمام والتقدير لمسلم رحم.

  • ترحيبه بالحسن رضي الله عنه

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: وَقَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى بَيْتِ فَاطِمَةَ فَسَلَّمَ، فَخَرَجَ إِلَيْهِ الْحَسَنُ أَوِ الْحُسَيْنُ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ” ارْقَ بِأَبِيكَ أَنْتَ عَيْنُ بَقَّةٍ”، وَأَخَذَ بِأُصْبُعَيْهِ، فَرَقَى عَلَى عَاتِقِهِ، ثُمَّ خَرَجَ الآخَرُ الْحَسَنُ أوِ الْحُسَيْنُ مُرْتَفِعَةً إِحْدَى عَيْنَيْهِ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “مَرْحَبًا بِكَ، ارْقَ بِأَبِيكَ أَنْتَ عَيْنُ الْبَقَّةِ”، وَأَخَذَ بِأُصْبُعَيْهِ فَاسْتَوَى عَلَى عَاتِقِهِ الآخَرِ، وَأَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَقْفِيَتِهِمَا حَتَّى وَضَعَ أَفْوَاهَهُمَا عَلَى فِيهِ، ثُمَّ قَالَ: “اللَّهُمَّ إِنِّي أُحِبُّهُمَا فَأَحِبَّهُمَا وَأَحِبَّ مَنْ يُحِبُّهُمَا.[8] عين البقة: يعني صغير العين

محبته لسبطيه من خلال الترحيب والحمل والمزاح والدعاء…

  • ترحيبه بأم هانئ رضي الله عنها

ففي البخاري: أن أُمَّ هَانِئٍ بِنْتَ أَبِي طَالِبٍ قالت: ذَهَبْتُ إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَامَ الْفَتْحِ فَوَجَدْتُهُ يَغْتَسِلُ وَفَاطِمَةُ ابْنَتُهُ تَسْتُرُهُ، قَالَتْ: فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَقَالَ: مَنْ هَذِهِ؟ فَقُلْتُ أَنَا أُمُّ هَانِئٍ بِنْتُ أَبِي طَالِبٍ. فَقَالَ: مَرْحَبًا بِأُمِّ هَانِئٍ.

فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ غُسْلِهِ قَامَ فَصَلَُّى ثَمََانِيَ رَكَعَاتٍ مُلْتَحِفًاَ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ فَلَمَّا انْصَرَفَ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ زَعَمَ ابْنُ أمِّي أنَّهُ قَاتِلٌ رَجُلاً قَدْ أجَرْتُهُ فُلاَنَ بْنَ هُبَيْرَةَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: قَدْ أَجَرْنَا مَنْ أَجَرْتِ يَا أُمَّ هَانِئٍ. قَالَتْ أُمُّ هَانِئٍ:

وَذَاكَ ضُحًى.[9]

فيه تقدير أم هانئ وأن لها أن تجير من شاءت. وميل الرسول الكريم إلى خلق العفو والصفح كما تكرر عند فتح مكة.

2- الترحيب بالرجال

  • ترحيبه بعمار بن ياسر رضي الله عنه

عن علي قال: جاء عمار يستأذن على النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (ائذنوا له مرحبا بالطيب المطيب)[10].

فيه فضل عمار وإبراز مكانته.

  • الترحيب بطالب العلم

عن عبد الله بن مسعود أن صفوان بن عسال المرادي قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في المسجد متكئ على برد له أحمر فقلت: يا رسول الله إني جئت أطلب العلم. فقال: “مرحبا بطالب العلم، إن طالب العلم لتحفه الملائكة بأجنحتها ثم يركب بعضهم بعضا حتى يبلغوا السماء الدنيا من حبهم لما يطلب[11].

تقدير الصحابة والترغيب في طلب العلم.

  • ترحيبه بأبي ذر رضي الله عنه

وقد أبطأ أبو ذر رضي الله عنه من أجل بعيره: الذي كان نضوا أعجف، ثم عجز فتركه وحمل متاعه على ظهره: وسار ماشيا في حر شديد وحده، حتى لحق رسول الله صلى الله عليه وسلّم نصف النهار وقد بلغ منه العطش، فقال له: مرحبا بأبي ذر! يمشي وحده، ويموت وحده، ويبعث وحده! ما خلفك؟ فأخبره خبر بعيره، فقال:

إن كنت لمن أعزّ أهلي عليّ تخلّفا! لقد غفر الله لك بكلّ خطوة ذنبا إلى أن بلغتني[12].

فيه بيان فضل أبي ذر وتضحيته وإخلاصه وتبشيره بعظم الثواب وفيه إخبار بالمغيبات.

  • ترحيبه بابن أم مكتوم رضي الله عنه

فكان إذا جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول مرحبا بمن عاتبني فيه ربي ويبسط[13].

فيه فضائل ابن أم مكتوم، بمعاتبة النبي من أجله وفيه صدق النبي وتواضعه.

  • ترحيبه بجابر بن عبد الله

عن جابر رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: (مرحبا)[14].

الفرح للصحابة وتقدير الزوار.

الترحيب بالأفراد ممن يريد الإسلام

  • ترحيبه بعكرمة بن أبي جهل لما قدم مسلما

عن عكرمة بن أبي جهل قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم جئته:

مرحبا بالراكب المهاجر[15].

حرص النبي صلى الله عليه وسلم على هداية العالمين، وحلمه وصفحه عمن عاداه، والترغيب في الإسلام.

  • ترحيبه بالسائب بن أبي السائب رضي الله عنه

عن السائب بن أبي السائب أنه: كان يشارك رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل الإسلام في التجارة فلما كان يوم الفتح جاءه فقال النبي صلى الله عليه وسلم: مرحبا بأخي وشريكي كان لا يداري ولا يماري. يا سائب قد كنت تعمل أعمالا في الجاهلية لا تقبل منك وهي اليوم تقبل منك. وكان ذا سلف وصلة.

الوفاء لعلاقاته القديمة، وتقديره لأهل الفضل والخير ولو كانوا غير مسلمين، وفتح شهية زواره للإسلام.

  • ترحيبه بأكبر وافد بني الحارث بن كعب وتغييره لاسمه إلى بشير رضي الله عنه.

ففي البزار حَدَّثَنَا عِصَامُ بْنُ بَشِيرٍ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي: أَنَّ بَنِي الْحَارِثِ بْنِ كَعْبٍ، وَفَّدُوهُ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: فَدَخَلْتُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَلَّمْتَُ عََلَيْهِ فَُقَالَ: مَرْحَبًا، وَعَلَيْكَ السَّلاَمُ، مِنْ أَيْنَ أَقْبَلْتَ؟ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، بِأبِي أنْتَ وَأمِّي بَنُو الْحَارِثِ وَفَّدُونِي إِلَيْكَ بِالإِسْلاَمِ. فَقَالَ: مَرْحَبًا بِكَ، مَا اسْمُكَ؟ قُلْتُ: اسْمِي أَكْبَرُ. قَالَ: بَلْ أَنْتَ بَشِيرٌ، فَسَمَّاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَشِيرًا. [16]

 ترحيبه بالقادمين، والسؤال عن أخبارهم والفرح بهم، وترقية هوياتهم بتغيير الاسم ليتناسب مع المسمى

  • ترحيبه بسراقة رضي الله عنه

لما قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم بالطائف قال له: مرحبا بك، ولما أراد الانصراف قال له: كيف بك يا سراقة إذا تسورت بسواري كسرى؟ قال:

كسرى بن هرمز؟ قال: نعم. وسيأتي أن سراقة أسلم بالجعرانة[17].

فيه حسن استقبال الزائر، وتبشير المسلم بما يزيد يقينه في دينه، كالوعد بنصر الإسلام.

  • ترحيبه بسواد بن قارب رضي الله عنه

رأى في المنام هاتفا يبشر ببعثة محمد صلى الله عليه وسلم، قال: فلما سمعته يكرر ليلة بعد ليلة وقع في قلبي حب الإسلام ومن أمر النبي ما شاء الله، قال: فانطلقت إلى رحلي فشددته على راحلتي فما حللت نسعة ولا عقدت أخرى حتى أتيت النبي فإذا هو بالمدينة والناس عليه كعرف الفرس، فلما رآني النبي قال: مرحبا بك يا سواد بن قارب قد علمنا ما جاء بك. قال: قلت يا رسول الله: قد قلت شعرا فاسمعه مني. قال سواد: فقلت:

أتاني رئي بعد ليل وهجعة ولم يك فيما قد بلوت بكاذب

ثلاث ليال قوله كل ليلة أتاك رسول من لؤي بن غالب

فشمرت عن ساقي الإزار ووسطت بي الدعلب الوجناء بين السباسب

فأشهد أن الله لا رب غيره وأنك مأمون على كل غائب

وأنك أدنى المرسلين وسيل إلى الله يا بن الأكرمين الأطايب

فمرنا بما يأتيك يا خير مرسل وإن كان فيما جاء شيب الذوائب

وكن لي شفيعا يوم لا ذو شفاعة سواك بمغن عن سواد بن قارب

قال: فضحك رسول الله حتى بدت نواجذه وقال لي: أفلحت يا سواد. فقال له عمر: هل يأتيك رئيك الآن؟ فقال: منذ قرأت القرآن لم يأتني ونعم العوض كتاب الله عز وجل من الجن[18].

والسباسب: جمع سبسب وهى الفلاة. الذعلب: الناقة السريعة، والوجناء: الشابة.

فيه أعلام النبوة بهذه الرؤيا، وبقول النبي: قد علمنا ما جاء بك.

  • ترحيبه بقيس بن مالك رضي الله عنه

فقد ورد أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم كَتَبَ إِلَى قَيْسِ بْنِ مَالِكٍ الأَرْحَبِيِّ:

بِاسْمِكَ اللَّهُمَّ، مِنْ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللهِ إِلَى قَيْسِ بْنِ مَالِكٍ، سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ وَمَغْفِرَتُهُ، أَمَّا بَعَْدُ، فَذَاكُمْ أَنِّي استَعْمَلْتُكَ عَلَى قَوْمِكَ: عُرْبِهِمْ وَخُمُورِهِمْ وَمَوَالِيهِمْ وَحَاشِيَتِهِمْ، وَأقْطَعْتُكَ مِنْ ذُرَةِ يَسَارٍ مِئَتَيْ صَاعٍ، وَمِنْ زَبِيبِ خَيْوَانَ مِئَتَيْ صَاعٍ، جَارٍ ذَلِكَ لَكَ وَلِعَقِبِكَ مِنْ بَعْدِكَ أَبَدًا أَبَدًا، قَالَ قَيْسٌ: وَقَوْلُ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليهَ وسلم: أَبَدًا أَبَدًا، أَحَبُّ إِلَيَّ، إِنِّي لأَرْجُو أَنْ يَبْقَى لِي عَقِبِي أَبَدًا، قَالَ يَحْيَى: عُرْبُهُمْ: أهْلُ الْبَادِيَةِ، وَخُمُورُهُمْ: أهْلُ الْقُرَى.

عربهم: أهل البادية، وخمورهم: أهل القرى[19].

فيه تأليف القلوب، وفتحها بمفاتيح الإكرام والاحترام.

  • ترحيبه بوائل بن حجر رضي الله عنه

قال وائل بن حجر: فلما دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم رحب بي وأدناني من نفسه وقرب مجلسي وبسط لي رداءه فأجلسني عليه وقال: اللهم بارك في وائل بن حجر وولده وولد ولده، ثم صعد المنبر وأقامني بين يديه ثم قال: أيها الناس، هذا وائل بن حجر أتاكم من أرض بعيدة من حضرموت راغبا في الإسلام.

فقلت: يا رسول الله بلغني ظهورك وأنا في ملك عظيم فمن الله علي أن رفضت ذلك كله وآثرت دين الله. قال: صدقت[20].

ويقال: إن النبي صلّى اللّه عليه وسلم استعمله على حضرموت وكتب له كتابا إلى الأقيال والعباهلة.

وقد يكون ولاه بعض حضرموت تحت الوالي العام زياد بن لبيد.

فيه تقدير أصحاب المكانة، والرفع من قدرهم بالثناء والفرح والولاية.

  • ترحيبه بعمرو بن مرة رضي الله عنه

قال عمرو بن مرة: رأيت رؤيا تبشر بالنبي والإسلام فكسرت صنمنا ثم لحقت بالنبي صلى الله عليه وسلم وأنا أقول:

شهدت بأن الله حـق وأنـني لآلـهة الأحجـار أول تـارك

وشمرت عن ساقي الإزار مهـاجرا إليك أجوب القفر بعد الدكادك

لأصحب خير الناس نفسا ووالدا رسول مليك الناس فوق الحبائك

فقال النبي صلى الله عليه وسلم: “مرحبا بك يا عمرو بن مرة.”

فقلت: يا رسول الله ابعثني إلى قومي، لعل الله يمن عليهم بي كما من علي بك.

فبعثني إليهم.

وقال: “عليك بالرفق والقول السديد، ولا تكن فظا، ولا متكبرا ولا حسودا.”

فذكر أنه أتى قومه، فدعاهم إلى ما دعاه إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلموا[21].

الدكادك: جمع دكداك، وهو رمل ذو تراب يتلبد أو أرض غليظة.

الحبائك: جمع حبيكة، الطرق.

فيه تقدير الراغبين في الإسلام، وتحميلهم المسؤولية، وتسليحهم بالحكمة وحسن المعاملة.

3 – الترحيب بالنساء

  • ترحيبه بأم سعد بن معاذ وهي كبشة بنت رافع بن معاوية رضي الله عنها

فقد خرجت تعدو نحو رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وقد وقف على فرسه، وسعد ابن معاذ آخذ بعنان الفرس، فقال سعد: يا رسول الله: أمي، فقال: مرحبا بها، فدنت حتى تأملت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وقالت: أما إذ رأيتك سالما فقد أشوت المصيبة. فعزاها صلّى الله عليه وسلّم بعمرو بن معاذ ابنها ثم قال: يا أم سعد: أبشري وبشّري أهليهم أن قتلاهم ترافقوا في الجنة جميعا -وهم اثني عشر رجلا- وقد شفعوا في أهليهم [22].

أشوت: قلت. والشوية: القليل من الكثير.

فيه الاهتمام بالصحابة، وتعزيتهم، وتسليتهم، وتبشيرهم بثواب الله لهم، وبيان كرامة الشهداء.

  • ترحيبه بأم سنبلة رضي الله عنها

عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: “قَدِمَتْ أُمُّ سُنْبُلَةَ الْأَسْلَمِيَّةُ وَمَعَهَا وَطْبٌ مِنْ لَبَنٍ تُهْدِيهِ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَوَضَعَتْهُ عِنْدِي، وَمَعَهَا قَدَحٌ لَهَا فَدَخَلَ النَّبِيُّ صََلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: مَرْحَبًا وَأَهْلًا يَا أُمَّ سُنْبُلَةَ، فَقَالَتْ: بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي أهْدَيْتُ لَكَ هَذَا الْوَطَْبَ. قَالَ: “بَارَكَ اللهُ عَلَيَْك صُبِّي لِي فِي هََذَا الْقَدَحِ”. فََصَبَّتْ لََهُ فِي الْقَدَحِ، فَلَمَّا أخَذَهُ قُلْتُ: قَدْ قُلْتَ: لَا أقَْبَلُ هَدِيَّةً مِنْ أعْرَابِيٍَّ، قَالَ: أعْرَابُ أسْلَمَ يَا عَائِشَةُ إنَّهُمْ لَيْسُوا بِأَعْرَابٍ، وَلَكِنَّهُمْ أهْلُ بَادِيَتِنَا، وَنَحْنُ أهْلُ حَاضِرَتِهِمْ إذَا دَعَوْنَاهُمْ أَجَابُوا، وَإِذَا دَعُونَا أَجَبْنَاهُمْ” ثُمَّ شَرِبَ. [23]

فيه تقدير المسلمة، وقبول هدية البدويين، واستعمالها، والفرح بهم.

  • ترحيبه بهند بنت عتبة رضي الله عنها

قامت هند بنت عتبة فقالت: يا رسول الله الحمد للَّه الّذي أظهر الدين الّذي اختاره لنفسه لتمسني رحمتك، يا محمد إني امرأة مؤمنة باللَّه مصدقة، ثم كشفت عن نقابها فقالت: هند بنت عتبة، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: مرحبا بك، فقالت: والله يا رسول الله ما كان على الأرض من أهل خباء أحب إلي أن يذلوا من أهل خبائك، ولقد أصبحت وما على الأرض من أهل خباء أحب إلي أن يعزوا من أهل خبائك[24].

فيه خلق الحلم والتجاوز عن الزلات، وأن الإسلام عهد جديد يدخل به المسلم الحياة السعيدة، بعيدا عن الحقد والضغينة وروح الانتقام.

4 – الترحيب بالوفود والجماعات

  • ترحيبه بالأنصار

أتت الأنصار النبي صلى الله عليه وسلم بجماعتهم، فقالوا: إلى متى ننزع من هذه الآبار فلو أتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فدعا الله لنا ففجر لنا من هذه الجبال عيونا. فجاؤوا بجماعتهم إلى النبي صلى الله عليه وسلم فلما رآهم قال: مرحبا وأهلا لقد جاء بكم إلينا حاجة. قالوا: أي والله يا رسول الله. فقال: إنكم لن تسألوني اليوم شيئا إلا أوتيتموه ولا أسأل الله شيئا إلا أعطانيه، فأقبل بعضهم على بعض فقالوا: الدنيا تريدون فاطلبوا الآخرة. فقالوا بجماعتهم: يا رسول الله ادع الله لنا أن يغفر لنا. فقال: اللهم اغفر للأنصار ولأبناء الأنصار ولأبناء أبناء الأنصار. قالوا: يا رسول الله وأولادنا من غيرنا؟ قال: وأولاد الأنصار. قالوا: يا رسول الله وموالينا. قال: وموالي الأنصار[25].

فيه بيان ما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم من اليقين والثقة بالله، وفيه فضل الأنصار، وإيثارهم الآخرة.

  • ترحيبه بجماعة من الصحابة بالطائف

عن حسان بن أبي جابر السلمي قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في الطائف فرأى أصحابه قد حمروا وصفروا لحاهم فقال: “مرحبا بالمحمرين المصفرين”[26]. تقدير الصحابة، وجواز الصباغة بالصفرة والحمرة.

  • ترحيبه بالصحابة قبل موته بقليل

عَنْ عَبْدِ اللهِ قَالَ: نُعِيَ إِلَيْنَا حَبِيبُنَا وَنَبِيُّنَا بِأَبِي هُوَ وَنَفْسي لَهُ الْفِدَاءُ قَبْلَ مَوْتِهِ بِسِتٍّ، فَلَمَّا دَنَا الْفِرَاق جَمَعَنَا فِي بَيْتِ أُمِّنَا عَائِشَةَ فَنَظَرَ إِلَيْنَا فَدَمَعَتْ عَيْنَاهُ، ثُمَّ قَالَ: مَرْحَبًا بِكُمْ وَحَيَّاكُمُ اللَّهُ، حَفِظَكُمُ اللَّهُ، آوَاكُمُ اللَّهُ، نَصَرَكُمُ اللَّهُ، رَفْعَكُمُ اللَّهُ، هَدَاكُمُ اللَّهُ، رَزَقَكُمُ اللَّهُ، وَفَّقَكُمُ اللَّهُ، سَلَّمَكُمُ اللَّهُ، قَبِلَكُمُ اللَّهُ، أُوصِيكُمْ بِتَقْوَى الله، غَفَرَ اللَّهُ لَكُمْ وَجَزَاكُمْ عَنْ نَبِيِّكُمْ خَيْرًا [27].

فيه عمق وصدق المحبة بين النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته رضي الله عنهم.

  • ترحيبه بوفد عبد القيس

عن ابن عباس قَالَ: إِنَّ وَفْدَ عَبْدِ الْقَيْسِ لَمَّا أَتَوُا النَّبِيَّ صلَى الله عليه وسلم قَالَ:

مَنِ الْقَوْمُ؟ أَوْ مَنِ الْوَفْدُ؟ قَالُوا: رَبِيعَةُ. قَالَ: مَرْحَبًا بِالْقَوْمِ، أوْ بِالْوَفْدِ غَيْرَ خَزَايَا، وَلاَ نَدَامَى. فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ إِنَّا لاَ نَسْتَطِيعُ أَنْ نَأْتِيَكَ إِلاَّ فِي شَهْرِ الْحَرَامِ وَبَيْنَنَا وَبَيْنَكَ هَذَا الْحَىُّ مِنْ كُفَّارِ مُضَرَ فَمُرْنَا بِأَمْرٍ فَصْلٍ نُخْبِرْ بِهِ مَنْ وَرَاءَنَا وَنَدْخُلْ بِهِ الْجَنَّةَ، وَسَأَلُوهُ عَنِ الأشَْرِبَةِ فَأَمَرَهُمْ بِأَرْبَعٍ، وَنَهَاهُمْ عَنْ أَرْبَعٍ، أَمَرَهُمْ بِالإِيمَانِ بِاللَّهِ وَحْدَهُ.

قَالَ: أَتَدْرُونَ مَا الإِيمَانُ بِاللَّهِ وَحْدَهُ؟ قَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ: شَهَادَةُ أَنْ لاَ إِلََهَ إِلاَّ اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ، وَإِقَامُ الصَّلاَةِ، وَإِيتَاءُ الزَّكَاةِ، وَصِيَامُ رَمَضَانَ، وَأنْ تُعْطُوا مِنَ الْمَغْنَمِ الْخُمُسَ، وَنَهَاهُمْ عَنْ أَرْبَعٍ، عَنِ الْحَنْتَمِ، وَالدُّبَّاءِ، وَالنَّقِيرِ، وَالْمزَفَّتِ، وَرُبَّمَا قَالَ: الْمقَيَّرِ. وَقَالَ: احْفَظُوهُنَّ وَأَخْبِرُوا بِهِنَّ مَنْ وَرَاءَكُمْ. [28]

حيث رحب بهم وعلمهم مبادئ الدين وأجاب على تساؤلاتهم وحملهم مسؤولية تبليغ الإسلام.

  • ترحيبه ببني عامر

عن عون بن أبي جحيفة، عَن أَبيهِ، رَضِي الله عنه، أن بني عامر أتوا النَّبِيّ صَلَّى الله عَلَيه وَسَلَّم فلما رآهم قال: مرحبًا [29].

عن عون بن أبي جحيفة عن أبيه قال: دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم أنا ورجلان من بني عامر فقال: “من أنتم؟” فقلنا: من بني عامر، فقال صلى الله عليه وسلم: “مرحبا بكم أنتم مني”[30].

فيه تقدير المسلم، وبيان المكانة العظيمة لبني عامر رضي الله عنهم.

  • ترحيبه بوفد بلي

وقد وفد على رسول الله صلى الله عليه وسلم وفد بلي في ربيع الأول من سنة تسع.

قال رويفع ابن ثابت البلوي: فبلغني قدومهم، فخرجت حتى جئتهم برأس الثنية في أيديهم خطم رواحلهم، فرحبت بهم وقلت: المنزل علي فعدلت بهم إلى منزلي فنزلوا ولبسوا من صالح ثيابهم، ثم خرجت بهم حتى انتهيت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو جالس في أصحابه في بقية فيء الغداة فسلمت، فقال: رويفع. فقلت:

لبيك. قال: من هؤلاء القوم؟ قلت: قومي. قال: مرحبا بك وبقومك. قلت: يا رسول الله، قدموا وافدين عليك مقرين بالإسلام وهم على من وراءهم من قومهم[31].

فيه تقدير المسلم وتقدير علائقه والفرح بالزائر أحرى من يريد الإسلام.

  • ترحيبه بوفد بني عذرة

وقدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وفد بني عذرة اثنا عشر رجلا فيهم حمزة بن النعمان وسليم وسعد ابنا مالك ومالك بن أبي رباح فنزلوا في دار رملة بنت الحارث النجارية، ثم جاءوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في المسجد فسلموا بسلام أهل الجاهلية، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من القوم؟ فقال متكلمهم: من لا تنكر نحن بنو عذرة إخوة قضي لأمه، نحن الذين عضدوا قصيا وأزاحوا من بطن مكة خزاعة وبني بكر ولنا قرابات وأرحام. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مرحبا بكم وأهلا، ما أعرفني بكم فما منعكم من تحية الإسلام؟ قالوا: يا محمد كنا على ما كان عليه آباؤنا فقدمنا مرتادين لأنفسنا ولمن خلفنا[32].

فيه الفرح بالقادم، والوفاء للعهود القديمة، والحرص على نشر قيم حضارة الإسلام ومنها التحية.

  • ترحيبه بعنزة

عَنْ سَلَمَةَ بن سَعْدٍ، أَنَّهُ وَفَدَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ وَجَمَاعَةٌ مِنَ أَهْلِ بَيْتِهِ وَوَلَدِهِ، فَاسْتَأْذَنُوا عَلَيْهِ، فَدَخَلُوا، فَقَالَ: “مَنْ هَؤُلاءِ؟” قِيلَ لَهُ: هَذَا وَفْدُ عَنَزَةَ، فَقَالَ: “بَخٍ بَخٍ بَخٍ، نِعْمَ الْحَيُّ عَنَزَةُ. [33]

وروي أنه قَالَ: “مَرْحَبًا بِقَوْمٍ شُعَيْبٍ وَأَصْهَارِ مُوسى عَلَيْهِمَا السَّلامُ[34].

وروي أنه قال: « مرحبا بقوم شعيب، وأختان موسى، سل يا سلمة عن حاجتك». قال: جئت أسألك ما افترضت علي في الإبل والغنم والعنز؟ فأخبر، ثم جلس عنده قريبا، ثم استأذنه في الانصراف فقال له: «انصرف» فما عدا أن قام لينصرف فقال: «اللهم ارزق عنزة كفافا قوت ولا إسراف».

فيه الحفاوة بالمسلم، والإشادة بفضائله وذكر محاسنه، والدعاء له، وتفقيهه في دينه.

  • ترحيبه بوفد جرش

كان رجال جرش عند رسول الله فأخبرهم بأنهم يقتلون فرجعوا إليهم فوجدوا الأمر كما قال. قال ابن سعد: فقصا على قومهما القصة فخرج وفد جرش حتى قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلموا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

“مرحبا بكم أحسن الناس وجوها وأصدقه لقاء وأطيبه كلاما وأعظمه أمانة، أنتم مني وأنا منكم” [35].

فيه أعلام النبوة، وبيان سبب إسلام القوم، وفيه الفرح بجرش والثناء عليهم بأجمل الثناء.

5 – الترحيب بأهل السوء وحسن الأدب معهم

فقد كان صلى الله عليه وسلم بشوشا، جم الأدب يفرح بمن لقيه، ويقبل على جلسائه، يرى كل جليس أنه الأحظى عنده، وحتى أصحاب السوء والنقص في الدين يحسن مقابلتهم، وينبسط لهم[36].

وقد بوب لهذا أبو داود[37] بقوله: باب حسن العشرة، وبوب البخاري بقوله: باب المداراة مع الناس، وباب ما يجوز من اغتياب أهل الفساد والريب. [38]

عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ رَجُلاً اسْتَأْذَنَ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَلَمَّا رَآهُ قَالَ: “بِئْسَ أَخُو الْعَشِيرَةِ أوَ بِئْسَ ابْنُ الْعَشِيرَةِ”. فَلَمَّا جَلَسَ تَطَلَّقَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِيَ وَجْهِهِ وَانْبَسَطَ إِلَيْهِ. فَلَمَّا انْطَلَقَ الرَّجُلُ قَالَتْ لَهُ عَائِشَةُ: يَا رَسُولَ اللهِ حِينَ رَأيْتَ الرَّجُلَ قُلْتَ لَهُ كَذَا وَكَذَا، ثُمَّ تَطَلَّقْتَ فِي وَجْهِهِ وَانْبَسَطْتَ إِلَيْهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: “يَا عَائِشَةُ مَتَى عَهِدْتِنِي فَحَّاشًا إِنَّ شَرَّ النَّاسِ عِنْدَ اللهِ مَنْزِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَنْ تَرَكَهُ النَّاسُ اتِّقَاءَ شَرِّهِ”. [39]

الخـاتمة

تعرفنا من خلال استعراض تلك الصور المشرقة من حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم على جوانب مهمة منها حسن الخلق وكرم النفس، وحسن الثناء والإشادة بخصال الأفراد والجماعات ممن يزورونه، والحلم والصفح رغم مرارة الظلم وشدة الأذى الذي لقيه أمس على يد قوم هو اليوم عليهم قادر، كما نلمس الحرص على هداية الخلق وإيصالهم إلى الحق، ببيان معالم الدين، والندب إلى مكارم السجايا، مع مظاهر الإخلاص والحب العريض حيث يدعو لهم ولأهليهم بخير الدنيا والآخرة، يضاف لهذا تقديم الهدايا، والتولية على الولايات وغير ذلك من أسباب فتح القلوب.

والحقيقة أن الشخصية النبوية عظيمة في كل جوانبها، يشير لهذا الدكتور سعيد المغناوي في كتابه الفريد “شخصية رسول الله صلى الله عليه وسلم” بقوله: (كان بشرا نبيا ورسولا، وكان أحسن الناس خلقا وخلقا، واعتنى به رب العزة وخصه بأشياء متنوعة، لم يعطها أحدا قبله، وبرزت شخصيته في ميادين متعددة سياسية وعسكرية واجتماعية واقتصادية وتربوية، وتوفرت فيه سمات الشخصية المتكاملة).

الهوامش

[1] – سورة القلم: 4.

[2] – آل عمران: 16ـ

[3] – مسلم: رقم:178ـ

[4] الشمائل لمحمد بن عيسى الترمذي، 2/1.

[5] – البخاري: 98، وإمتاع الأسماع: 14/270.

[6] – البزار: رقم744.

[7] معجم الصحابة للبغوي: 3681.

[8] -المعجم الكبير للطبراني: رقم: 6852.

[9] -البخاري: رقم: 753.

[10] – سنن الترمذي برقم: 3798.

[11] – معجم الصحابة للبغوي، رقم: 0821.

[12] إمتاع الأسماع: 1 /175، ومغازي الواقدي: 1 /761.

[13] -السيرة الحلبية:1/ 094.

[14] -أحمد:/267، وأبو داود برقم: 48، وسبل الهدى والرشاد: 7 /311.

[15] الترمذي، رقم:2735.

[16] – معجم الصحابة للبغوي رقم:200، ومسند البزار برقم: 27001.

[17] -السيرة الحلبية: 2 /021.

[18] السيرةلابن كثير:1/349، وسنن البيهقي:1/324، والسيرة الحلبية: 152/1.

[19] مسند أبي يعلى رقم: 912

[20] الإدارةفي عصر الرسول:1 /101.

[21] السيرة لابن كثير: 1 /513.

[22] – إمتاع الأسماع 1 /175 و مغازي الواقدي: 1 /316.

[23] -السيرة الحلبية: 3 /40 وشرح مشكل الآثار للطحاوي رقم:1734.

[24] – إمتاع الأسماع: 13/ 389 والبخاري ومسلم بمعناه.

[25] مسند أحمد رقم13291، وقال شعيب الأرناؤوط: إسناده قوي.

[26] معجم الصحابة للبغوي رقم: 715.

[27] مسند البزار برقم: 2028، وضعفه شعيب الارناؤوط.

[28] البخاري: رقم: 53، والرحيق المختوم: 551.

[29] -مسند البزار: 4239، وفي صحيح ابن خزيمة مثله.

[30] مسند أبي يعلى برقم: 894 وإسناده صحيح.

[31] الاكتفاء بما تضمنته مغازي النبي صلى الله عليه وسلم والثلاثة الخلفاء ، 2/ 279.

[32] – الاكتفاء بما تضمنته مغازي النبي صلى الله عليه وسلم والثلاثة الخلفاء، 2 /72.

[33] المعجم الكبير للطبراني برقم:6240، وسبل الهدى والرشاد، رقم8836.

[34] الدعاء للطبراني: 1958.

[35] – سبل الهدى والرشاد:6 /262، وسيرة ابن هشام: 4 /197، والبيهقي في دلائل النبوة: رقم273.

[36] – إمتاع الأسماع: 10 /612.

[37] سنن أبي داود برقم: 8874.

[38] البخاري برقم: 1316.

[39] – البخاري برقم: 2306.

المصادر والمراجع:

  • – القرآن الكريم. برواية ورش عن نافع.
  • – الموطأ للإمام مالك. دار إحياء التراث العربي- مصر- بدون.
  • – الجامع الصحيح للإمام البخاري: دار الشعب- القاهرة- ط-1، 1407هـ.
  • – الجامع الصحيح للإمام مسلم: دار الجيل-بيروت- بدون.
  • – سنن أبي داود، دار الكتاب العربي بيروت- بدون.
  • – معرفة السنن والآثار للبيهقي: جامعة الدراسات الإسلامية – كاراتشي – باكستان –1412هـ.
  • – سنن الترمذي، دار إحياء التراث العربي- بيروت- بدون.
  • – سنن ابن ماجه، مكتبة أبي المعاطي- بدون.
  • – شرح مشكل الآثار للطحاوي أبي جعفر أحمد بن محمد، الناشر: عالم الكتب، ط1، 1414هـ.
  • السنن الكبرى للبيهقي. مجلس دائرة المعارف-ط1 – 1344هـ، النظامية – الهند.
  • – مسند أبي يعلى: دار المأمون للتراث- ط-1، 1404 هـ.
  • – سنن الدارقطني: مؤسسة الرسالة، بدون.
  • – مسند البزار: مكتبة العلوم والحكم، ط1 – 1988م.
  • – مسند أبي يعلى: دار المأمون للتراث- ط-1، 1404 هـ.
  • – شرح مشكل الآثار، للطحاوي أبي جعفر أحمد بن محمد، الناشر: مؤسسة الرسالة ط1، 1415هـ.
  • – مسند الإمام أحمد: مؤسسة قرطبة – بدون.
  • – شرح معاني الآثار، للطحاوي أبي جعفر أحمد بن محمد، الناشر: عالم الكتب، ط1، 1414هـ.
  • صحيح ابن حبان أبي حاتم محمد البستي، (تحقيق: شعيب الأرناؤوط، الناشر: مؤسسة الرسالة، بيروت، لبنان، ط2، 1414 هـ/م1993).
  • – السيرة النبوية لابن هشام، دار الجيل – ط1- بيروت – 1411هـ.
  • – إمتاع الأسماع بما للنبي من الأحوال والأموال والحفدة والمتاع للمقريزي، دار الكتب العلمية – ط1999 1-م – بيروت.
  • – الرحيق المختوم لصفي الرحمن المباركفوري، دار الوفاء – مصر، ط1، 1434هـ .
  • – السيرة الحلبية في سيرة الأمين المأمون، لعلي برهان الدين الحلبي، (الناشر: دار المعرفة، بيروت، لبنان، 1400هـ).
  • – السيرة النبوية، لابن كثير، الناشر: دار المعرفة، بيروت، لبنان، 1396هـ/1971م.
  • – الاكتفاء بما تضمنته مغازي النبي صلى الله عليه وسلم والثلاثة الخلفاء، للكلاعي الأندلسي أبي الربيع سليمان بن موسى، (الناشر: عالم الكتب، بيروت، لبنان، ط1، 1417هـ).
  • – الإدارة في عصر الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، أحمد عجاج كرمى، الناشر: دار السلام -القاهرة- ط1: 1427هـ.
  • – الشمائل لمحمد بن عيسى بن سَوْرة بن موسى بن الضحاك، الترمذي، أبي عيسى (المتوفى سنة: 279هـ)، الناشر: مؤسسة الكتب الثقافية– بيروت، الطبعة: الأولى، 1412هـ.
  • – معرفة الصحابة، لأبي نعيم: (تحقيق محمد راضي، الناشر: مكتبة الدار ومكتبة الحرمين، السعودية، ط1، 1408هـ).
  • – الدعاء للطبراني، سليمان بن أحمد الطبراني أبو القاسم (260 – 360)، تحقيق: مصطفى عبد القادر عطا، الناشر: دار الكتب العلمية– بيروت، الطبعة الأولى، 1413هـ.
  • – الشمائل الشريفة، للسيوطي عبد الرحمن بن أبي بكر: (تحقيق حسن بن عبيد باحبيسي، الناشر: دار طائر العلم للنشر والتوزيع، بدون).
  • – مغازي الواقدي محمد بن عمر بن واقد الأسلمي، الناشر: دار الكتاب العربي، بيروت، لبنان، ط1، 1424هـ/2004م).
  • – شخصية رسول الله صلى الله عليه وسلم للدكتور سعيد المغناوي، ط.1: 1424هـ الموافق 2003م، مطبعة انفو ابرنت فاس- المغرب.
  • – سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد، وذكر فضائله وأعلام نبوته وأفعاله وأحواله في المبدأ والمعاد، محمد بن يوسف الصالحي الشامي.
  • – سيرة ابن هشام، أبو محمد عبد الملك بن هشام بن أيوب الحميري، (تحقيق: طه عبد الرؤوف سعد، الناشر: دار الجيل، بيروت، لبنان، 1411هـ).
  • – المعجم الكبير، للطبراني سليمان بن أحمد بن أيوب، (تحقيق: حمدي السلفي، الناشر: مكتبة ابن تيمية، القاهرة، بدون).

 

تحميل المقال بصيغة PDF