مجلة العلماء الأفارقة

مجلة العلماء الأفارقة مجلة علمية نصف سنوية محكمة تعنى بالدراسات الإسلامية والثوابت المشتركة بين البلدان الإفريقية تصدرها مؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة. تنشر فيها مقالات علمية تخدم أهداف المؤسسة المنصوص عليها في الظهير الشريف الصادر بشأنها

جهود العلماء الأفارقة في خدمة الثوابت الدينية المشتركة

Slider

مقومات الدرس العقدي الأشعري بالمغرب والسودان الشرقي: قراءة في معالم الوحدة والتشابه

الدكتور يوسف بنلمهدي
كلية أصول الدين– تطوان- المملكة المغربية

مقومات الدرس العقدي الأشعري بالمغرب والسودان الشرقي: قراءة في معالم الوحدة والتشابه

تمهيد

بدأ الإسلام عالميا، دينا قيما للجميع على اختلاف أجناسهم وألوانهم وفئاتهم، ولتحقيق هذه العالمية قيد الله أعلاما من حملة القرآن وعلومه نقلوا الدين عقيدة وشريعة وسلوكا إلى الأقطار والأمصار بالتوالي، قطرا فقطرا، ومصرا فمصرا؛ فاتجهوا غربا حتى بلغوا المحيط الأطلسي، وشرقا حتى بلاد السند والهند وما وراءهما، وشمالا حتى جاوزوا المتوسط إلى جنوب أوروبا (الأندلس)، وجنوبا خاضوا في صحاري إفريقيا وأدغالها حتى رأس الرجاء الصالح… كل ذلك قبل الفتح العسكري وأثناءه وبعده، لأن رسوخ الإسلام لم يكن بفضل جيش الفتح فقط كما يشاع في كتب المغازي والتاريخ، بل كان بفضل التجار وأصحاب السياحة الصوفية وكذلك بفضل الدعاة المحليّين الذين نقلوا إلى أهليهم عقيدة الإسلام وعلومه وتعاليمه خبرا وسلوكا، فقها ظاهرا وباطنا، وهذا ما نكتشفه بوضوح عند دراسة تاريخ الدعوة الإسلامية ببلاد المغرب والسودان.

ومن أجل فهم أكثر لسر انتشار الإسلام بإفريقيا انتشارا علميا ذا معالم محددة ثقافيا واجتماعيا ووجدانيا، لا بد من دراسة حياة حملة العلم إلى هذه البلاد، والمنابع التي ارتووا منها، والمستندات والمراجع التي توسلوا بها لترسيخ العقيدة والفكر العقدي والكلامي، والشريعة والفقه المذهبي، والسلوك في بعديه الأخلاقي العملي والروحي الصوفي.

وما يلاحظه الباحث في هذا الجانب هو التلاحم الوطيد بين أقطار إفريقيا حول معالم فكرية محددة؛ هي عقيدة أهل السنة والجماعة على طريقة الأشعرية، ومذهب المالكية في صورته المغربية (نسبة للغرب الإسلامي)، والتصوف العملي في صورته السنية الجامعة بين الشاذلية والقادرية، هذه الملامح نجدها عابرة للحدود في المغرب الأقصى والأوسط والأدنى، وفي بلاد السودان الغربي والشرقي…[1]

ومن أجل فهم هذه الوحدة الفكرية الفريدة يأتي هذا البحث الهادف لبيان تفاصيل الوحدة[2] الفكرية والعلمية بين الغرب الإسلامي والسودان الشرقي، والساعي إلى تمهيد السبل الكفيلة باستئناف العلاقات العلمية والروحية بين شمال إفريقيا الإسلامية وسودانها الشرقي، وتدليل الصعوبات التي تحول دون ذلك، مع التأكيد على أن تلك العلاقات لم تتوقف في يوم من الأيام وإن ضعفت، لكنها تحتاج لتأصيل تاريخي وفكري من أجل فهم أمتن وأعمق.

والأسئلة التي تطرحا هذه الدراسة هي:

  • ما هي أهم السمات الفكرية والحضارية الجامعة بين الغرب الإسلامي والسودان الشرقي؟
  • وما هي أبرز معالم الدرس العقدي المغربي والسوداني؟
  • وما سر الوحدة الفكرية بين المغرب والسودان الشرقي؟
  • وأخيرا ما السبيل إلى إحياء الجوامع الفكرية واستئناف العلاقات العلمية بين بلاد الغرب الإسلامي والسودان الشرقي؟

المحور الأول: وقفة مع المفاهيم المحورية للبحث

أ- مفهوم المغرب أو الغرب الإسلامي

المغرب أو الغرب في اللغة وعند علماء الجغرافيا بمعنى واحد، وهو كل ما يقابل المشرق[3]. وتذكر بعض المصادر أن مغرب العالم الإسلامي ومشرقه كان يعتمد مصر مركز التحديد؛ فما قبل حدودها الغربية كان يسمى مغربا وما بعد حدودها المشرقية كان يسمى مشرقا[4]. وقد ترسخ هذا المفهوم بمدلوله الجغرافي على الأقل مع التقسيم الأموي للولايات الإسلامية، فموسى بن نصير كان والي الأمويين على إفريقية والمغرب، كما تذكر بعض مصادر التاريخ[5].

واعتمادا على هذا نقول: إن مفهوم المغرب هو مفهوم شامل يجمع البقعة الجغرافية الممتدة من غرب الحدود المصرية إلى أقصى شمال الأندلس، ويضم أيضا الجزر الواقعة في البحر المتوسط، تلك الجزر التي دخلها الإسلام إبان امتداده المتوسطي؛ ولو لفترة من الفترات كصقلية ومالطة وسردينيا وجزر البليار وقوصرة وقرسقة[6]… ويضيف البعض إلى هذه المناطق، منطقة ما يعرف في الأدبيات المغربية ببلاد السودان الغربي[7]، وهي الصحراء الواقعة جنوب المغرب الأقصى والتي افتتحها المرابطون في القرن الخامس الهجري، وارتبطت بالغرب الإسلامي فكريا وثقافيا…

وبتجريد المفهوم عن دلالته الجغرافية والسياسية التي لا تعنينا كثيرا والتركيز على حمولته الفكرية والثقافية، نجد أن أبرز عامل في تبلوره فكريا وحضاريا هو المذهب المالكي وعقيدة أهل السنة والجماعة الأشاعرة والتصوف الجنيدي؛ وغيرها من السمات الفكرية والعلمية الجامعة، كالقراءات القرآنية والتفسير والحديث والأصول… التي كان لها فضل صهر تلك المناطق مع بعضها البعض في رباط حضاري وثيق؛ كما انفتحت على الجوار الغربي والشرقي انفتاحا كان له أثر كبير في نشر العقيدة الإسلامية والمعالم الحضارية المذكورة في أوروبا والسودان الشرقي والأوسط والغربي.

ب- بلاد السودان بين الجغرافي والثقافي

«بلاد السودان» أو «إقليم السودان» هو مصطلح متعدد الدلالات في التاريخ الجغرافي والثقافي لإفريقيا جنوب الصحراء؛ لأنه اسم لم يستقر على مسمى واحد، بل عرف مدا وجزرا انعكس على مسماه؛ فهو عند وروده في الكتابات اليونانية والرومانية القديمة يعني الإثنية السوداء النازلة بالمنطقة المعروفة بـ «نجريتا» نسبة لنهر النيجر، والتي غلب في الماضي التدين فيها بالوثنية والمسيحية[8].

وفي الكتابات العربية القديمة والوسيطة يطلق هذا اللفظ ويراد به أحد هذه المناطق:

السودان الغربي: ويقصد به المناطق الإفريقية الواقعة جنوب الصحراء[9]، هذه المناطق التي لم يصلها الفتح العربي الإسلامي إلا بعد القرن الخامس الهجري على يد المرابطين والموحدين، وقد حدّها الجغرافيون والرحالة السابقون من منتهى سجلماسة إلى مشارف بلاد النوبة[10]، وتضم حاليا السنغال ومالي والنيجر وقسماً من موريتانيا وغينيا ونيجيريا…

السودان الشرقي: هو الذي نتحدث عنه في هذا البحث، ويسمى في بعض الدراسات بـ «سودان وادي النيل» أو «السودان الإنجليزي» أو «المصري»، وتحده من الشمال مصر، ومن الشرق البحر الأحمر وإريتريا والحبشة، ومن الجنوب أوغندا والكنغو، ومن الغرب إفريقيا الاستوائية[11]… وهو مجال متوسطي في الغالب جغرافيا وحضاريا، ولعل هذا أهله لتلقي تأثيرات فكرية وثقافية مختلفة أكسبته توسطا ثقافيا نتيجة الهجرات البشرية من جميع الجهات.

غير أن المعطيات التي نحب أن نقف عندها هي تلك الهجرات الوافدة من الغرب الإسلامي مع التجار والعلماء والمتصوفة[12]، وطبيعة الدور الذي اضطلعوا به في نشر الإسلام بطرق سلمية قوامها الدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة والحال والمقال، وإسهامهم في تأسيس اللبنات الأولى لمؤسسات التعليم والتربية الفكرية والروحية؛ دليل ذلك ما ذكره المؤرخون عن بعض العلماء وشيوخ التصوف من بلاد المغرب الذين قدموا للسودان ورحب بهم شعبه وملوكه وقادته أيما ترحيب[13]، فاتحين أمامهم مجال نشر الاعتقاد الصحيح والسلوك القويم… ومن القبائل التي كان لأعلام الغرب الإسلامي دور بارز في إسلامها، القبائل «البجاوية» و «النوبية» و «الفونج »خاصة بعد تأسيس سلطنة «سنار» الإسلامية[14] التي يعد ملوكها من المؤسسين للدرس العقدي ببلاد السودان.

ج- الدرس العقدي

تطلق عبارة الدرس العقدي ويراد بها عند الباحثين في تاريخ الأفكار والمناهج ثلاثة أمور رئيسة هي:

 الأصول المرجعية: ونقصد بها في حالتنا هذه الأصول الإسلامية، وهي الكتاب والسنة المطهرة والإجماع، تلك الأصول الجامعة التي عمت بنفحاتها عقل ووجدان الإنسان وصاغت تصوراته عن الإلهية والنبوة والبعث، صياغة ربانية، تعصم من الزلل في التصور والفساد في القول والفعل؛ ثم الأصول المذهبية، وهي الأصول التي استقر عليها أهل السنة والجماعة واستفادوها من خلال بحوثهم في الأصول الأولى وتفاعلهم مع مشاكل الإنسان الوجودية خاصة والفكرية عامة، ثم اجتهادات مدرسة الأشاعرة في تحولاتها الكبرى، بدأ من جيل السلف أمثال أبي الحسن وابن مجاهد وابن فورك والباقلاني… إلى المتأخرين أمثال الغزالي وابن تومرت… وانتهاء بالإمام السنوسي خاتمة المتكلمين رحمه الله.

المضامين أو المقالات: ونقصد بها ما أجمع أو اتفق عليه الأشاعرة من مقالات تتعلق بالإلهية والنبوة والبعث، سواء حملته كتب العقيدة المختصرة أو المفصّلة، أو كان مبثوثا في كتب التفسير وفقه الحديث وشروح وحواشي وتعليقات المتون الجامعة؛ مثل رسالة القيرواني وبرهانية السلالجي والعقائد السنوسية…

مناهج البناء والاستدلال: ونقصد بها منهج البحث الكلامي، الآخذ بالمقدمات العقلية البرهانية والحجاجية الإقناعية، في تقريب أصول وفروع العقيدة والدفاع عنها بمنهج جدلي يعتمد المزاوجة بين العقل والنقل مزاوجة وسطية تنزل كل منهما منزلته دون إفراط ولا تفريط، وقد تطور هذا المذهب في مسيرة تاريخية نتج عنها تياران هما تيار السلف أهل التفويض والتنزيه مع الاقتصاد في البحث والتأويل وتيار الخلف أهل التأويل والتنزيه.

د- التشابه والتأثير

نقصد بالأثر أو التأثير كل تشابه بين معالم الفكر والتفكير بين السودان والمغرب، سواء كان ذلك الأثر بيد عالم محلي/سوداني درس بالمغرب أو مصر وتشرب فكرا محددا يتماهى مع فكر الغرب الإسلامي، أو علما من المغرب ومصر نزل بالسودان ونشر بها علم العقيدة والكلام بما يتفق مع ما هو مقرر في المراكز العلمية المغربية. وينصرف هذا التأثير بدرجة أكبر إلى إسهام الكتب العقدية التي ألفها أعلام الغرب الإسلامي، في نشأة وتطور الدرس العقدي ببلاد السودان، واتصافه بمعالم مماثلة لنظيره المغربي، وهذا ليس مجرد تكهن ورجم بالغيب بل إن الدراسات المتخصصة نصت عليه صراحة، ومنها ما ذكره عبد الله حسين في كتابه «السودان من التاريخ القديم إلى رحلة البعثة المصرية» يقول: «وأكثر كتبهم مأخوذة عن مؤلفات علماء المغرب الأقصى وتونس»[15].

المحور الثاني: مظاهر التشابه الفكري والحضاري بين المغرب والسودان قبل الإسلام

إن رصد نقط التشابه الحضاري بين الغرب الإسلامي والسودان الشرقي هو مفتاح فهم جملة من الظواهر الفكرية والسلوكية المشتركة، غير أننا لا ينبغي أن نقع في فخ القراءة الظاهراتية المنغلقة؛ ونفسر الواقع تفسيرا سطحيا واصفا فقط، بل ينبغي أن نتعمق أنتروبولوجيا في حياة هذا الإنسان الإفريقي بالغرب والشرق، ونتساءل عن المؤثرات ما قبل الإسلامية التي خضع لها، ثم طريقة اعتناقه للإسلام، وطبيعة التفاعل الكائن بين ماضيه الفكري والروحي من جهة وعقيدة الإسلام وقيمه وشرائعه من جهة أخرى، دون أن ننسى مكانة اللغة العربية باعتبارها حاملا لرسالة هذا الدين وقيمه.

وإذا نظرنا للقطر السوداني الشرقي نجده واقعا تحت نفس التأثيرات التي عرفها القطر المغربي، على المستوى الاجتماعي والفكري الثقافي قبل الإسلام وبعده:

أ- التشابه الفكري والحضاري بين المغرب والسودان قبل الفتح الإسلامي

إذا تعمقنا في أصول المجالين المغربي والسوداني نجد عنصرا أنتروبولوجيا غاية في الأهمية، ونقصد به غلبة البداوة على سكانه، على اعتبار أن النشاط الرئيس لأهله هو الفلاحة وتربية المواشي قبل أن تنشأ به حواضر ومراكز تجارية وعلمية، وهنا نقتبس من ابن خلدون تفسيره لانتشار المذهب المالكي بالغرب الإسلامي، لنعمم التبرير على انتشار ذات المذهب ببلاد السودان الشرقي، فابن خلدون يفسر ذلك بأن طبيعة هذا المذهب تناسب البداوة الغالبة على المغاربة؛ مع توضيح لا بد منه هو أن البداوة في فكر ابن خلدون هي مفهوم إيجابي يحمل كل المعاني القريبة من الفطرة والتي لم تشوهها لوثة المدنية. يقول: «وأمّا مالك رحمه الله تعالى فاختصّ بمذهبه أهل المغرب والأندلس… وأيضا فالبداوة كانت غالبة على أهل المغرب والأندلس ولم يكونوا يعانون الحضارة التي لأهل العراق فكانوا إلى أهل الحجاز أميل لمناسبة البداوة، ولهذا لم يزل المذهب المالكيّ غضّا عندهم، ولم يأخذه تنقيح الحضارة وتهذيبها كما وقع في غيره من المذاهب»[16].

ومن الظواهر الحضارية المتعلقة بهذا المستوى، ارتباط الفكر بالمجتمع والتجمعات الاجتماعية ارتباطا وثيقا، فكما عرف المغرب تأسيس الإمارات والدول على أساس عقدي وصوفي عرفت بلاد السودان نفس الظاهرة، إذ نجد في المغرب دولة الأدارسة التي جمعت القبائل الأمازيغية على أساس التعلق بمحبة آل البيت من غير رفض ولا غنوص، ثم إمارة المرابطين التي جمعت قبائل صنهاجة على أساس المذهب المالكي وقيادة الفقهاء، ودولة الموحدين التي قام إمامها محمد بن تومرت (المهدي) بتوحيد مصمودة حول فكره العقدي والسياسي، إلى دولة الأشراف السعديين ومشروعها الصوفي… وكذلك في السودان فقد كان للعقيدة الإسلامية آثار اجتماعية، وبفضلها برزت تجمعات دينية في مظاهر مختلفة، أهمها مظهران: الاندماج القبلي بين الأسر والعشائر والمجموعات المختلفة، والتجمع الصوفي بقيادة شيوخ الطرق الصوفية أو الأشراف من آل البيت[17].

هذا بخصوص المستوى الاجتماعي والحضاري، أما بخصوص المستوى الفكري والثقافي فالأمر أوكد وأوثق، مع تخصيص هذا الأمر بالمؤثرات الدينية واللغوية المشتركة، بدأ من ماض مسيحي أرثوذوكسي، تسرب للقطر السوداني من الشمال حيث الكنيسة القبطية العريقة، ومن الجنوب أيضا حيث تعتبر الحبشة موطنا قديما للأرثوذوكسية، قبل أن تحل به البعثات التبشيرية البرتغالية في القرن الخامس عشر الميلادي، هذا بالإضافة إلى الديانة المحلية وهي وثنية تميل لتقديس أرواح الأسلاف وتركز على الطقوس السحرية ذات ملامح شعائرية محسوسة أكثر منها نظرية مجردة، دون أن ننسى الهجرات اليهودية من الشرق والغرب والأندلس. .. نفس الأمر نجده في حالة المغرب، فقد خضع لتأثير مسيحي ذو رافدين، رافد رسمي مثلِّت نجده في نفوذ الكاثوليكية المتروّمة والدوناتية[18] الثائرة، وآخر شعبي موحِّد نجده في الأريوسية[19] المقاومة، إضافة لفسيفساء من الأفكار الدينية المحلية الوثنية والمجوسية، ثم هجرات يهودية وافدة من بلاد الشام والأندلس…

ومع أن هذه الأفكار الدينية السائدة تمثل انحرافا عن عقيدة التوحيد الحقة، إلا أنها لم تخل من عناصر إيجابية سهلت قبول الناس لدين الإسلام ومبادئه العقدية؛ أهمها أن الشعبين لم يكونا ممن غلب عليهم الإلحاد وضمور الإحساس بالمعنى، بل كان التدين فيهم أصيلا وعميقا، وتعرفهم على الديانتين اليهودية والنصرانية سمح لهم بالتعرف عل فكرة الألوهية والنبوة والرسالة الخاتمة والبعث… وغيرها من الأفكار التي تبرر سهولة دخول الإسلام للقطرين وسلميته؛ فأغلب بلاد الغرب الإسلامي فتحت سلما[20] عن طريق الدعاة من الصحابة والتابعين، والهجرات الجماعية للقبائل العربية دون أن نهمل جهد الفاتحين وتضحياتهم في سبيل استقرار الدعوة واستمرارها. .. وهو نفس ما نجده ببلاد السودان التي كانت مقصدا للهجرات الفردية للقراء والعلماء والزهاد والمتصوفة[21]، فضلا عن الهجرات الجماعية للقبائل العربية المسلمة[22]… بل إن بعض الدراسات الميدانية تخبرنا بأن الجهد الأكبر في نشر الدعوة يعود للمسلمين من أصول محلية مغربية وسودانية، يقول تريمنجهام:

«ويجب التأكيد على أن الأشخاص الذين نشروا الإسلام في إفريقيا كانوا دائما أفارقة وحاميّين في الأساس، وكانت معظم الممالك السودانية الإسلامية (وداي وبورنو ودارفور وتقلى) قد أسسها بعض الفقراء الحاميّين المتحدثين بالعربية الذين قدموا لنشر التجارة والإسلام. لقد كان إسلاما إفريقيا في إفريقيا»[23].

ب- الوحدة الفكرية والحضارية بين المغرب والسودان بعد الفتح الإسلامي

ترسخ الإسلام في بلاد السودان الشرقي من خلال ثلاثة طرق[24] تتفاضل مع بعضها حسب الزمن ومجالات التأثير وقوته:

أولها من مصر: فالعلاقات الثقافية بين مصر والسودان متينة للغاية ضاربة بجدورها في أعماق التاريخ، فهي ترجع إلى العصر الفرعوني أو ما قبله، وتمتد إلى العصرين المسيحي والإسلامي، ونفس الأمر نقوله عن المغرب فهو بذاته ارتبط بمصر ثقافيا واعتلى عرش مصر فراعنة أمازيغ، وانتشرت بالمغرب التأثيرات الفكرية المصرية، خاصة المذاهب العقدية والفقهية والصوفية.

وثانيها من الحجاز عن طريق موانئ باضع وعيذاب وسواكن، فالموقع الجغرافي القريب من بلاد الحجاز والجزيرة العربية عموما كان له فضل استقطاب بعض الوافدين من الجزيرة في إطار الدعوة أو التجارة أو الفرار من بطش الخصوم السياسيين والفكريين[25].

وثالثها من المغرب وشمال إفريقيا سواء في إطار التواصل المباشر والعلاقات التجارية المفتوحة بين السودان وممالك الغرب الإسلامي، وهي العلاقات التي استتبعت هجرة نفر من العلماء والكتاب المغاربة للسودان[26]. أو عبر بلاد السودان التي فتحها المرابطون أواخر القرن الخامس الهجري وبداية القرن السادس، إذ بفضل هذه الإمارة الصنهاجية انتشر الإسلام بين قبائل إفريقية وثنية حتى بلغ منطقة بحيرة تشاد وغانا، سيما أنهم عرفوا بالحماسة الشديدة لنشر الإسلام، لم يثنهم عن ذلك أي عائق، كما عرفوا بتفانيهم في خدمة مذهب المالكية الذي تأسست على مبادئه وأحكامه إمارتهم، كما تأسست بفضلهم مراكز علمية إفريقية واسعة التأثير أبرزها تمبكتو وجني وبرنو…[27]

وانطلاقا من السودان الأوسط سيبدأ التلاقح الفكري والثقافي بين الغرب الإسلامي والسودان الشرقي، ومن خلال بعض الشذرات التي حفظتها غوائل التاريخ نجد أن الرحلات المغربية للسودان قديمة وأن جسور العلاقات العلمية بين المغرب والسودان الشرقي قوية وحقيقية، ويمكن رصد آثار ذلك في كتب التاريخ والجغرافيا، فالمقريزي جعل من مصادر خططه الرحالة المغاربة، يقول: «وقد سألت من طرق بلاد السودان من المغاربة عن» …[28]. كما يمكن رصدها في كتب التراجم التي تحدثت عن تداول العلماء والكتب بين القطرين، من ذلك على سبيل المثال أن منطقة دارفور الشهيرة عرفت وفود فقهاء وصلحاء من السودان الغربي والأوسط وشمال إفريقيا. ..وقد لقي قدوم هؤلاء ترحيبا من سلاطين البلاد الذين أجزلوا لهم العطايا والهبات لتشجيعهم على الاستقرار ونشر العلم والثقافة الإسلامية، مثل السلطان محمد تيراب الذي شجع العلماء الوافدين من مصر وتونس على الاستقرار ببلده وأجزل لهم العطاء، وعلى نهجه سار السلطان عبد الرحمن الرشيد[29]. ومن الأعلام المغاربة الذين استوطنوا دارفور وكان لهم بها نشاط علمي مميز نذكر الفقيه الشيخ التمرو الفلاني[30]. وكذلك الأمر بالنسبة للفونج الذين كان اتصالهم بالمغاربة وثيقا، فقد عرفت مملكة سنار تعاقبا مستمرا لأعلام من أقطار مختلفة من الغرب الإسلامي كالمغرب والأندلس والسودان الغربي، منهم: عبد الكافي المغربي شيخ إدريس الأرباب في التصوف، وحسن ولد حسونة الوافد من الجزيرة الخضراء بالأندلس، ودفع الله بن مقبل الوافد من غرب السودان، وسعد ود شوشاي واللبدي والتلمساني وكلهم مغاربة[31].

ولما كان نظام التعليم السوداني شبيها بنظام التعليم المغربي من حيث تركيزه في مرحلته الابتدائية على حفظ القرآن الكريم وإتقانه، ثم بدء رحلة التحصيل الخارجي في الأقطار المجاورة والبعيدة، طلبا لمزيد من التكوين العلمي فيما يختاره الطالب، فقد هاجر طلبة العلم السودانيون لمراكز الثقافة بالغرب الإسلامي، وأخذوا عن علمائه علوم الظاهر والباطن، الأمر الذي ترتب عنه تشكل تيار فكري مغربي سوداني غلب على المزاج العام للتدين في السودان. وهو تيار جامع بين العلم والتصوف[32]. كما ضم هذا الأثر المغربي مجال النحو والخط والقراءات القرآنية حيث كانت الأجرومية معتمدة في تدريس النحو، وغلب على أهل دارفور وكردفان ودنقلا الكتابة بالرسم الأندلسي والقراءة برواية ورش خلافا لباقي المناطق التي كانت تقرأ برواية الدوري عن أبي عمرو بن العلاء. وترجح بعض الدراسات أن السبب المباشر لهذا التأثير هو أن أشهر قراء السودان محمد ولد عيسى سوار الذهب درس القرآن على عالم مقرئ مغربي هو التلمساني المغربي[33].

وبدورها عرفت كتب الدرس العقدي والفقهي المغربية طريقها نحو بلاد السودان رسما وعلما، إما عبر التحمل المباشر بالمغرب والسودان، أو عبر المراكز الإسلامية الأخرى كمكة والمدينة ومصر والسودان الغربي والأوسط، ومن أهم هذه الكتب عقائد السنوسي ورسالة القيرواني وشروحها… وغيرها من الكتب التي لم يكن لها لتنتشر هذا الانتشار الكبير لولا تعريب السودان وكسره حاجز اللغة العربية.

تعريب المغرب والسودان: اللغة العربية لغة الحضارة الإسلامية، ووعاء الفكر الإسلامي وحامل أصوله ومضامينه ومناهجه؛ لهذا واكبت انتشار الدين الإسلامي خطوة بخطوة في بعض الأمصار دون بعض. بالنسبة للمغرب والسودان لم يكونا استثناء في ذلك، فقد نجح التعريب لسببين رئيسين هما:

قوة الدافع المحرك لفهم الدين وتعلم القرآن[34]. ووجود أسر عربية من عرب الجزيرة وأشرافها، وفدوا من الجانب الشرقي حيث البحر الأحمر، ومن الباب الشمالي الأوسط الذي يفضي إلى مجرى النيل، ومن الباب الشمالي الغربي وهو الطريق الليبي، فتدفقت بلي، وجهينة وبنو هلال وبنو سليم وربيعة ولخم وجذام وفزارة، وقبائل مغربية من البربر وغيرهم…[35]

وبنجاح التعريب كسر المغاربة والسودانيون وساطة العربي في التعامل مع الوحي وعلومه، فأبدعوا تراثهم العربي الإسلامي الخاص الذي يتكامل مع التراث الإسلامي العام، مع بعض الخصوصيات المحلية التي نجدها في التركيبة الحضارية وطبيعة القضايا النظرية والعملية المطروحة للنقاش.

المحور الثالث: معالم الدرس العقدي ببلاد الغرب الإسلامي

الدرس العقدي المغربي أصيل وعريق، يمكن العودة بأصوله الأولى إلى زمن الفتح الإسلامي، حيث تلقى مبادئه وأدلته عن صغار الصحابة وكبار التابعين، ثم حافظ على صلته بمدرستهم دون أن يعكر صفو ذلك دعاة الفرق والمذاهب الوافدة من المشرق، كالخوارج والشيعة والمعتزلة… لعدم انقطاع الصلة بأصول المدرسة وأعلامها بالمشرق عامة والمدينة المنورة خاصة. ومن نتائج ذلك أن تعززت مدرسة التابعين العقدية بفكر وفقه ومنهج مدرسة الإمام مالك التي عرفت بالتحفظ والتحرج عن الخوض في دقائق البحث العقدي، لأن مالكا رحمه الله كان يرفض الإيغال في النظر وما ليس تحته عمل ولم يؤثر عن الصحابة الكرام الخوض فيه، وكذلك بقيت مدرسته بالمغرب حتى أواخر القرن الرابع الهجري…

لكن الغرب الإسلامي سيعرف بعد ذلك حدثا فكريا خطيرا، هو سيادة العبيديين الإسماعيلية على المغرب من أقصاه إلى أدناه، وفرضهم مقالاتهم على الناس بقوة السلاح والبطش والامتحان، حيث نال علماء القيروان أذى بليغا في عقائدهم وأفكارهم، ولم تعد تحفظاتهم على صناعة الكلام نافعة ولا مبررة، لأن الخصم صاحب شبه وزعم إحاطة بشواهد النقل والعقل؛ عدته تأويل باطني مخالف لقانون البحث السني السائد، فكان لا بد من النظر العقلي لبيان العقائد وتوضيح الأدلة ورد الشبه. ..

وبالفعل قام فقهاء المالكية بشرط التحدي، وقصدوا مراكز المشرق الفكرية كبغداد والبصرة للارتواء من معين الكلام السني، وقبلتهم في ذلك أعلام المالكية من مدرسة أبي الحسن الأشعري، الذين يرجع لهم الفضل في نقل الكلام وتقريبه للمغاربة، كالباقلاني وأبي ذر الهروي والآجري والجويني والغزالي… بل إن الدرس الكلامي سيمتزج بباقي علوم الشريعة، بدءاً من علم الأصول مع الباجي (ت474هـ) وابن عربي المعافري (ت543هـ) وعثمان السلالجي (ت574هـ)، ثم الفقه مع القيرواني صاحب الرسالة والقابسي (ت403هـ). فالقرآن والتفسير مع ابن التبان (ت371ه)، وأبي عبد الله القرطبي وابن عطية الأندلسي، ثم الحديث وفقهه: مع يحيى بن عبد الملك بن قيس (ت436هـ) وأبي عبد الله المازري (ت536هـ) وعياض اليحصبي (ت544هـ) وابن القطان الفاسي…

ويبقى صاحب أكبر أثر على المغاربة هو الإمام الجويني (ت478هـ)، فقد أخذ عنه المغاربة مباشرة وبواسطة كتبه ورسائله، وممن أخذ عنه وعمل على تقريب منهجه بالغرب الإسلامي أبو القاسم عبد الرحمن بن محمد المعافري السبتي (ت502هـ)[36] ومحمد بن أحمد بن عبد الله النحوي المعروف بابن اللجالش (ت490هـ)[37] ومحمد بن سعيد الميورقي[38] وعبد الله بن أحمد التميمي (ت501هـ)[39]… فبفضل هؤلاء وآخرين لا يتسع المقام لذكرهم، سادت طريقة الجويني وعمّت بلاد الغرب الإسلامي، واحتفى المتكلمون بتراثه شرحا واختصارا، حتى إن مفتاح فهم التراث الكلامي هو دراسة تصانيف الجويني خاصة الشامل والإرشاد…

ويزاحم الجويني في أثره تلميذه الغزالي الذي مزج بين التصوف والعقيدة والرد على الفلاسفة وأعطى للعقيدة بعدا إصلاحيا، وكان له تلاميذ بالمغرب من أبرزهم إمام الموحدين وقائد ثورتهم الشاملة محمد بن تومرت[40] (ت524هـ)، وأبو الفضل ابن النحوي (ت513هـ)[41]… وآخرين من أعلام العقيدة والسلوك ازدانت بهم دولة الموحدين التي تعد بحق دولة كلام وأصول، ومن آثار ذلك أن المتكلمين في معرض ردهم على مقولات الفلاسفة اضطروا إلى مجاراتهم في منهج البحث وخطته، فأخذوا بالمنطق وأعملوه في البحث الكلامي مع تحفظات وشذوذات معروفة[42] حافظ بها المتكلمون على خصوصياته.

وختم الدرس العقدي تحولاته بمرحلة السنوسي، الذي قعد قواعده ووضح حدوده ونظّم أدلته ولخص مضامينه تلخيصا سارت به الركبان في العالم الإسلامي أجمع.

خلاصة القول في هذا الأمر أن البحث العقدي بالغرب الإسلامي سيستقر على ثلاث تيارات لا تختلف في الأصول وإنما في منهجية البحث والتصنيف والتدريس وهي:

  1. تيار الأشاعرة الفقهاء: وهو تيار سني أشعري على طريقة الأوائل، يهتم بالقضايا العملية ويزاوج في الاستدلال بين المنقول والمعقول، مع غلبة أسلوب التسليم والتقرير على النقد والجدل، وهو امتداد لخطط فقهاء المالكية الأوائل أمثال أبي عمران الفاسي وأبي الوليد الباجي وأبي عبد الله القرطبي… وأبرز مستنداته توحيد الرسالة لابن أبي زيد القيرواني وشروحه المختلفة كشرح القاضي عبد الوهاب البغدادي والشيخ أحمد زروق البرنسي والشيخ يوسف بن عمر الأنفاسي والشيخ أحمد السنوسي. ..
  2. تيار الجويني: وهو تيار كلامي سني أشعري يتوسط بين طريقتين بتعبير ابن خلدون؛ طريقة السلف وطريقة الخلف، يرى وجوب النظر العقلي في المسائل العقدية ويرفض التقليد. ويعتمد في البيان والمدافعة أساليب النقد والجدل، ومن أبرز أعلامه الحضرمي والسلالجي وابن العربي واليفرني وابن زكري التلمساني و السنوسي والشايقي…
  3. تيار الخلف: وهو تيار كلامي سني أشعري يحمل تأثيرات الغزالي والرازي المتمثلة في تدعيم أساليب القرآن بمنطق اليونان خاصة في الرد على الفلاسفة، لكن هذا التيار لم تقم له سوق قوية بالغرب الإسلامي، بل بقي عند الآحاد، مع أنه يقع من حيث التجريد والتفلسف دون تيار البيضاوي الذي مزج في كتاب «الطوالع» مسائل الكلام بمسائل الفلسفة، بحيث لا يتميّز أحد الفنّين من الآخر[43].

المحور الرابع: معالم الدرس العقدي ببلاد السودان والأثر المغربي

من خلال استقراء المعطيات العقدية والفكرية الواردة في المصادر التي تحدثنا عنها في بداية هذا البحث، ومن خلال الخلاصات التي تقدمت في المبحث السابق، يمكن بسط معالم الدرس العقدي ببلاد السودان في المعطيات التالية:

أ- قوة الدرس العقدي والكلامي

إن المدقق في سير وتراجم علماء السودان نادرا ما يجد مشيخة أحدهم خلوا من الدراية بالعقائد وصناعة الكلام مشاركة وتدريسا أو مناظرة ورسوخا، فقد امتزجت وانصهرت ببقية العلوم الوسائل والمقاصد، كاللغة والنحو والمنطق والأصول والفقه… وهو ما يدل على أمور كثيرة من أبرزها:

  • رقي المستوى المعرفي لأعلام الفكر السوداني واطلاعهم ومواكبتهم لمستجدات البحث الشرعي في بلاد الإسلام المجاورة، لأن دقائق علم التوحيد ومصطلحه وقواعده من الأمور التي يصعب على طالب العلم استيعابها، بل إنها تحتاج إلى فطنة وذكاء متميزين، وقدرة على تجريد النظر في المقدمات، وخبرة بالمعقولات وبراهينها لتحصيل ملكة الكلام أو ملكة الدفاع عن القضايا الإيمانية، وهذا ما تيقن تحققه في أجيال من علماء السودان خاصة في مملكة سنار[44].
  • مشاركة علماء السودان في الحركة العلمية بالغرب الإسلامي ومصر وتفاعلهم معها تحملا وأداء وفعلا وتفاعلا، فلم يكن نشاطهم نشازا من غير نظير، بل إن المنهج المعتمد في المراكز العلمية الكبرى كفاس والقيروان وتلمسان وتمبكتو، هو ذاته الذي عثرنا عليه بدارفور والنوبة وكردفان… حتى إننا إذا طالعنا تراجم طلبة العلم في تلك الفترة نجد المغربي والسوداني والمصري والحجازي تلقوا عن نفس الشيوخ، ودرسوا بنفس المنهج العلمي، وتلقوا نفس الكتب المرجعية، وهذا مؤشر كبير على الوحدة الفكرية والمذهبية التي كانت سارية بين أقطار إفريقيا.

ب- وحدة الحقيقة والعقيدة في السودان

ومما يحسب للثقافة السودانية أن علماءها كانوا دارجين على أصل أهل السنة وهو أنه لا يمكن تصور تزكية من غير تفقه، وحقيقة من غير شريعة، وأنه لا صلاح للباطن من غير اشتغال بعلوم الظاهر، وهذا يوافق تصور الإمام مالك القائل: «من تصوف ولم يتفقه فقد تزندق، ومن تفقه ولم يتصوف فقد تفسق، ومن تصوف وتفقه فقد تحقق»[45].

وأجمل ما يمكن الحديث عنه في هذا الإطار هو هذه القصة التي تحكى عن أبرز شيوخ التصوف والعلم بالسودان، عبد الرحمن بن الشيخ صالح بان النقا، الذي اتخذ في أول أمره مذهب التصوف وسلك طريق القوم على أبيه الشيخ صالح، وريضه ودخله الخلوات، فلما انتهى في السلوك وبلغ مقام الرجال اشتغل بقراءة العلوم الظاهرة وتحصيل كتبها، وبذل المال على المعلمين لها؛ وسبب اشتغاله بها أنه رأى في المنام جده طائرا بين السماء والأرض وأبوه طائرا وراءه وهو أيضا وراءهم، فأشاروا إليه بالنزول فنزل في الأرض، فقص رؤياه على الشريف عبد الله فقال له:

«أشاروا لك بالاشتغال بعلم الظاهر»، وبالفعل توجه هذا الشيخ لعلوم الشريعة فصار مبرزا فيها بما في ذلك علم العقائد الذي درسه على الفقيه أرباب بن فرح وعلى عمه الفقيه علي بن أرباب، ومن الكتب التي قرأها كبرى السنوسي ووسطاه والمقدمات على الفقيه إسماعيل بن الفقيه الزين…[46]

وكان هذا ديدن البقية من علماء السودان، فهذا حمد الأصدا كان يدرس خليل والرسالة والعقائد وسلوك الطريق. والشيخ حمدنا الله ولد ملاك الذي قرأ التوحيد على أولاد أرباب وسلك الطريقة على الشيخ جوجلي بن عبد الرحمن بن إبراهيم. وهذا الأخير بنفسه كان مبرزا في التوحيد وأخذه بدوره عن الفقيه أرباب وأخذ التصوف عن الشيخ أحمد التنبكتاوي الفلاني المجاور بمكة. وممن جمع بين الفقه والتوحيد والتصوف الشيخ دفع الله الذي كان شيخا مربيا يعلم الفقه والتوحيد وعلى نهجه صار تلميذه ووارث سره في المعقول والمنقول والسلوك عبد الله بن علي الحلنقي[47].

وقد بلغ من انصهار التوحيد بالتصوف أن انعكس ذلك على الخطاب المنقبي؛ ومن أثر ذلك الكرامات التي تنسب لعلي بن بري المتكلم المتصوف (ت1073هـ) أنه لما شرح السنوسية، كان يكتب ليلا والنور يضوي من أصبعه، وجاءه الشيخ عبد القادر بن الشيخ إدريس قال: ما أريتني كرامتك التي أكرمك الله بها، فأراها له، وقال الشيخ محمد الخراشي لما رأى شرحه فقال: «هذه عبارة ولي»[48].

غير أن هذا الجمع بين الكلام والتصوف لم يخل من إشكالات عقدية ذات بعد منهجي، إذ من المعلوم أن الصوفية لهم مقامات وأحوال وجدانية ومنهجهم في البحث قائم على الكشف الذي يرجع للذوق لا للعقل، مع أنه لا يخرج عن ميزان الشرع والوحي. ومن ذلك ما وقع بين عبد الله بن علي الحلنقي وجماعة من أهل عصره منهم الشيخ الوالي العالم المشهور وعبد الماجد بن حمد الأغبش، في قوله صفات الله العشرون وجودية قائمة بذاته العلية، إذ من المقرر في علم التوحيد أن صفات الله عز وجل بعضها ثبوتي وبعضها سَلبي عدمي، وهي الصفات الخمس العدمية التي لا قيام لها بالذات (القدم، والبقاء، والمخالفة للحوادث، والوحدانية، القيام بالنفس). وفي معرض سجاله مع المتكلمين نسب الحلنقي رأيه إلى علم الباطن، وكالعادة اختلفت وجهات النظر واختلف المنهج، فانتصر أهل الكلام على طريقة النظار، وانتصر الصوفية عن طريق الكرامات والرؤى. قال التاكاوي: «تاه في بحر الظلمة، ولذلك قال الفقيه حمد بن عبد الماجد: عند النوم سألت الله أن يريني هل أكمل أبي أو أكمل الشيخ عبد الله الحلنقي، فرأيت في النوم على قبر الحاج عبد الله بنية وقبر أبي بلا بنية، قلت: هذه بنية الله على أوليائه، فإنهم مبتلون بالإنكار من أهل عصرهم»[49].

ج- سيادة المذهبية الأشعرية

حضور مذهبية أهل السنة الأشاعرة عند علماء السودان واضح جلي من خلال تتبع قنوات الفتح الأولى مع الأيوبيين والأتراك العثمانيين الذين بسطوا سلطتهم على بلاد النوبة؛ وجميعهم من أنصار المذهبية السنية الأشعرية، بل إن الأتراك عرفوا بشدة التمسك بأصول الدعوة على مذهب أهل السنة والجماعة لا يبغون عنها حولا[50]. وكذلك من خلال أسماء الشيوخ والأساتيذ الذين تلقى عنهم أهل السودان العقيدة والتوحيد، ونوعية الكتب المعتمدة في الدرس العقدي، فضلا عن المؤلفات والشروح التي تفتقت بها قرائحهم وكتب لها أن تُرصد من قبل المؤرخين للحركة الفكرية بالسودان على عهد الممالك الإسلامية. وإذا كان لنا أن نعمق البحث في التيارات العقدية السودانية فإننا نجملها في تيارين هما:

1 – تيار التسليم والتفويض

1– أ: معالم تيار التسليم والتفويض بالسودان

تشكل هذا التيار في الغالب من فقهاء الفروع المالكية، واتسم الدرس العقدي عندهم بسمات أبرزها:

العَمَلية: بقي خط البحث الفقهي وفيا لمعالمه التي خطها الإمام مالك رحمه الله، وهي: البحث فيما تحته عمل وعدم اقتحام مجال المتشابه لأنه مجال التسليم في العبارة والتفويض في المعنى، وليس مجال النظر العقلي القاصر. والفقيه المالكي الأشعري في شمال وغرب وشرق إفريقيا عند خوضه في هذه المقدمات العقدية إنما يأتي بها لما لها من آثار على بعض الأحكام الفقهية التعبدية والاجتماعية، كالإرث والزواج والولاية والإمامة…

ضعف النظر الكلامي: من المعلوم أن درس العقيدة عموما يقوم بوظائف هي بيان العقائد، وتوضيح الأدلة، ورد الشبه، بيد أن المهمتين الأخيرتين سيستقل بهما علم الكلام على طريقة المتقدمين، وبقي الفقهاء في القسم الأول، وهو التركيز على شرح معتقد المسلمين من أهل السنة والجماعة بناء على التقرير في العَرْض الممزوج بالوعظ والتحذير، ثم التركيز على الاستدلال النقلي في الغالب اعتمادا على الكتاب والسنة وآثار السلف، وحصر مهمة التقريب في التوضيح اللغوي للمحكمات دون البحث في المتشابه، إذ لا فائدة عملية تحته. ..

مركزية رسالة القيرواني: الدرس الفقهي السوداني تمحور على عدة متون أبرزها الرسالة للقيرواني ومختصر خليل بن إسحاق بن موسى بن شعيب المالكي المعروف بالجندي (ت776هـ) ومتن العشماوية للشيخ عبد الباري العشماوي الرفاعي، لكن المتنين الأخيرين لا يبحثان أمر العقائد رغم كونها من مقدمات النظر الفقهي، لهذا تمحور الدرس العقدي عند أعلام هذا التيار على رسالة القيرواني (ت386) أو توحيد الرسالة الذي يعد بصدق المتن الأشهر في فقه المالكية بالغرب الإسلامي.

ومتن الرسالة هو متن مزدوج ألفه ابن أبي زيد القيرواني للصبيان عندما كان عمره سبعة عشر سنة، وقدم له بفصل في أهم مبادئ اعتقاد أهل السنة والجماعة، عنوانه «باب ما تنطق به الألسنة وتعتقده الأفئدة من واجب أمور الديانات». وهو المسمى بتوحيد الرسالة.

ومن الخصائص التي تميز بها هذا المتن وأهلته للذيوع والانتشار حتى إنه ليعد المصدر الثاني للفقه المالكي بعد مدونتي الإمام مالك رحمه الله، وهما الموطأ والمدونة:

صبغته التكاملية؛ فهو متن جامع للضروري من علوم العقيدة الإسلامية السنية والفقه المالكي وبعض الآداب والأخلاق، متضمن بتعبير صاحبه لـ «ما تنطق به الألسنة، وتعتقده الأفئدة، وتعلمه الجوارح»، مما يعني أنه برنامج كاف للواعظ أو الخطيب الذي يؤم الناس في الجمع والجماعات والمدرس المتفرغ لتدريس المقدمات الممهدات، يستغني به الطالب عن كثير من الجهد والوقت، خاصة وأنه في جانب العقيدة تضمن المتفق عليه بين أهل السنة والجماعة، وفي الشريعة جمع أمهات المسائل التي يمكن للطالب حفظها والقياس عليها، وفي الآداب جمع الآداب الدينية والفردية والاجتماعية، وهو ما نجده في تقريظ القاضي عبد الوهاب البغدادي للكتاب. يقول[51]:

رسـالة علـم صـاغها العـلم النـهد           قد اجتمـعت فيها الفرائض والزهد

وفي صـدرها عـلم الديـانة واضـح            وآداب خـير الـخلق لـيـس لهـا نـد

سهولة لغته وأسلوبه: فقد كتب القيرواني عموم رسالته وقسم التوحيد منها بصفة خاصة بلغة سلسة تقف عند لفظ الشرع ولا تتعداه إلا نادرا، مع غلبة التقرير والحسم والبعد عن التدقيقات الكلامية والتعريفات الموغلة في الصنعة، وقرر فيه القضايا الاتفاقية والمشهورة في جانب الإلهيات والنبوات والسمعيات التي أفاض فيها أكثر من غيرها، مبتعدا عن الخلاف والجدل والخوض في القضايا الشاذة التي ليس تحتها عمل، أو التي ورد الشرع بالنهي عن الخوض فيها أو العجز عن إدراكها أصلا، كمائية ذات الله والإحاطة بشيء من علمه إلا بما شاء… دون إهمال للاستدلال على القضايا الإيمانية التي قررها بالوحي والعقل، مثل استدلاله بآثار صنعته على وجود الله ووحدانيته وعدله. ..ومع أن مذهبية القيرواني تعرف نقاشا تاريخيا في الغرب الإسلامي، إلا أنه ثمة ملاحظتين تجعلنا نتجاوز هذا النقاش:

أولاهما: أن توحيد الرسالة هو متن مختصر جامع قابل لتعدد القراءات ضمن مدرسة أهل السنة الجامعة، فهو يقبل تحفظ فقهاء المالكية ممن آثر منهج مالك وهو عدم الخوض فيما لم يخض فيه النبي وصحابته الكرام، وترك البحث في المتشابه والاقتصار على فهم وتبليغ السنة العملية والألفاظ المحكمة الظاهرة، كما يقبل إقدام المتكلمين فرسان المنقول والمعقول.

ثانيهما: أنه من الناحية العملية لا يؤثر ذلك على موضوعنا، فقد كتب للرسالة الذيوع والانتشار وقام بشرحها أعلام لا مشاحة في أشعريتهم، ونجد بعض أسمائهم ضمن مشايخ السودانيين كالشيخ اللقاني وأخيه.

1– ب: توحيد الرسالة بالسودان

وقد لقيت هذه المقدمة عناية منقطعة النظير من قبل علماء الفقه والعقيدة المغاربة والسودانيين الذين تناولوها بالتعليق والشرح، حتى إننا نجد بعض الشروح المغربية نقلت بالسند المتصل إلى السودان، وأشهرها شرح الشيخ زروق الذي كان له امتداد بالسودان الشرقي، ومن الأعلام الذين نعتبرهم امتدادا للمدرسة الزروقية محمود العركي الذي تذكر المصادر أنه أنشأ سبعة عشر مدرسة بين الخرطوم وإليس لتدريس الفقه، وهذا الأخير من تلاميذ الشيخ شمس الدين اللقاني وأخيه ناصر الدين اللقاني وهما تلميذا الشيخ أحمد زروق الفاسي[52].

وممن حفل بتوحيد الرسالة دراسة وتدريسا نحصي تمثيلا لا حصرا:

  • الشيخ إبراهيم البولاد بن جابر (ت1603م) واسطة عقد أولاد جابر الأربعة، ينحدر من أسرة كل أفرادها علماء وصلحاء، أخذ الرسالة عن علماء مصر، وكانت له حلقة لتدريسها للطلبة بجميع أقسامها[53].
  • والشيخ حمد الأصدا ابن الشيخ دفع الله، وقد كان شيخا موسوعيا، يدرس الطلبة في حلقته مختصر خليل والرسالة والعقائد الأخرى إضافة إلى علم السلوك قولا وعملا[54].
  • وحمد بن أبي زيد الحضري البصيلابي وشيخه شمة ولد علان باريجي[55].
  • وكذلك الشيخ سعيد بن محمد العباشي الذي جمع بين الرسالة والتوحيد علما وتعليما[56].
  • والشيخ عمار بن عبد الحفيظ الخطيب الذي كان يدرس خليلا ثم ينتقل للرسالة والعقائد والتجويد وكتب التفسير والتصوف[57]. مما يدل على أنه كان بصيرا بتوحيد الرسالة متكلما عليه على منهج فقهاء العقيدة.

وآخرون من أعلام بلاد السودان لا يتسع المقام لإحصائهم، بل إن الأمر لم يقتصر عليهم، بل نجد من تولى هذه المسؤولية من أبناء بلاد الإسلام الأخرى، مثل العالم المصري محمد القناوي الذي استقر ببلاد الفونج أول النصف الثاني من القرن العاشر وبنى بها مسجدا لتدريس العقائد والرسالة[58]، وهو للإشارة تلميذ الشيخين عبد الرزاق الزرقاني وسالم السنهوري شيخ عبد الواحد بن عاشر المغربي السلاوي صاحب «المرشد المعين على الضروري من علوم الدين.»

ولأن بلد السودان بلد علم واجتهاد لم يكتف علماؤه بتلقي الرسالة وتدريسها فقط، بل كانت لهم عليها شروح وحواشي، مثل:

  • الفقيه المتكلم المجتهد النظار شمة بن محمد بن عدلان الشايقي الذي شرح عقيدة الرسالة شرحا مفيدا[59]، ولفظ مفيد في هذه الترجمة تعني أنه انتفع به الطلبة وكتب له الذيوع والانتشار بينهم، وهو أمر لا يحصل إلا بجودة العبارة وتقريب المسائل والمواكبة لواقع الناس ومعالجة مشاكلهم.
  • ومنهم أيضا المكي النحوي الرباطابي، وكان مبرزا في فن الشروح، وله شروح جليلة منها شرحه الكبير على السنوسية في أربعين كراسا، وشرحه الصغير في عشرة، إضافة لشرح عقيدة الرسالة[60]. ومن تلاميذه حامد اللين الذي كان يدرس الرسالة والعقائد أيضا[61].
  • والعالم الشهيد مختار بن محمد جودة الله الكردفاني: قرأ التوحيد وجميع الفنون على رجل جاءه من المشرق، وانتصب لتدريس علم الفقه والتوحيد وساير الفنون، وعمرت حلقته وكبرت خلوته وكثرت طلبته، وشرح الأخضري شرحاً انتفع به الخاص والعام وشرح السنوسية شرحاً مفيداً، وشرح الرسالة شرحا ذكر ود ضيف الله أنه لم يقف عليه[62].
  • والمضوي بن محمد أكداوي: «الفقيه المتكلم، كان من شيوخ الرسالة والسنوسية، وشرح عليهما شروحا قيمة، يدل على قيمتها ما حلاها به ود ضيف الله عندما قال: «وألف كتبا شأنها أن يكتبن بمداد الذهب»، وعد منها شرحه لعقيدة الرسالة[63].

ولأن العناية بالرسالة بلغت مبلغا كبيرا، والشغف بها طغى على الدراسات الشرعية بالسودان، حتى إنهم لم يكونوا يروا لها بديلا، فهي الفريدة في بابها ولا يُضن بها على طالبها وإلا لقي المطلوب من العنت ما لا يطيق؛ وخير مثال على ذلك ما يحكى عنها من كرامات وخوارق، منها ما حكي عن أبرز مدرسي الرسالة بالسودان وهو عبد الصادق بن حسيب كان يدرس الرسالة للطلبة وسبب تدريسه للرسالة جاءه طلبة لقراءة الرسالة، فأنف من ذلك، وخرج مسافرًاً إلى دارفور فلما توسط في البحر عمي وانكف بصره، فرجع وبدأ تدريس الرسالة إلى أن توفاه الله[64].

2 – تيار التأويل والتنزيه

تتمركز هذه المدرسة حول الإمام السنوسي وعقائده المعروفة. فمن هو الإمام السنوسي؟ وما هي معالم شخصيته الفكرية والوجدانية؟ وما هي معالم الدرس العقدي عند السنوسي؟

2-أ: السنوسي معالم من شخصيته العلمية ومنهجه الفكري

هو محمد بن يوسف بن عمر شعيب  السنوسي الحسني نسبة للحسن بن علي بن أبي طالب من جهة أم أبيه، أخذ عن شيوخ عصره القراءات وعلم الأسطرلاب والأصول والمنطق، والرسالة، وإرشاد أبي المعالي والتوحيد، والصحيحين وغيرهما من كتب الحديث، والفرائض والحساب… ولبس الخرقة على يد الإمام العالم العلامة الولي الزاهد الناصح إبراهيم التازي… حلاه تلميذه الملالي بقوله: له في علوم الظاهر أوفر نصيب جمع من فروعها وأصولها السهم والتعصيب، لا يتحدث في فن إلا ظن سامعه أنه لا يحسن غيره سيما التوحيد والعقول… هو في علوم الباطن قطب رحاها وشمس ضحاها وقد غاب بكلامه فيها في غيب اللَّه تعالى واطلع على معادن أسراره وطالع أنواره فيؤثر حب مولاه ويراقبه لا يأنس بأحد بل يفر كثيرًا إلى الخلوات يطيل الفكرة في معرفته فانكشفت له عجائب الأسرار وتجلت له الأبصار فصار من وارثي الأنبياء جامعًا بين الحقيقة والشريعة على أكمل وجه.

باطنه حقائق التوحيد وظاهره زهد وتجريد وكلامه هداية لكل مريد، كثير الخوف طويل الحزن يسمع لصدره أنين من شدة خوفه مستغرقًا في الذكر فلا يشعر بمن معه، مع شفقته على الخلق وقضاء حوائجهم عند السلطان والصبر على إذايتهم.

وأما تآليفه فقال الملالي: منها عقيدته الكبرى سماها عقيدة أهل التوحيد، ثم شرحها، ثم الوسطى وشرحها، ثم الصغرى (أم البراهين) وشرحها، وهي من أجل العقائد لا تعادلها عقيدة، كما أشار إليه هو. والمقدمات المبينة لعقيدته الصغرى قريبة منها جرمًا وشرحها، وشرح الأسماء الحسنى، وشرح إيساغوجي في المنطق تأليف البرهان البقاعي، وشرح أبيات الإمام الإلبيري في التصوف، وشرح الأبيات التي أولها «تطهر بماء الغيب»، وشرحه العجيب على البخاري وصل فيه إلى باب «من استبرأ لدينه»، وشرح مشكلات البخاري في كراسين، ومختصر الزركشي على البخاري.

ومنها شرح رجز ابن سينا في الطب لم يكمل، ومختصر في القراءات السبع، وشرح الشاطبية الكبرى لم يكمل، وشرح الوغليسية في الفقه لم يكمل، ونظم في الفرائض، واختصار رعاية المحاسبي، ومختصر الروض الأنف للسهيلي لم يكمل، ومختصر بغية السالك في أشرف المسالك للساحلي، وشرح المرشدة والدر المنظوم في شرح الجرومية، وشرح جواهر العلوم المعضد في علم الكلام على طريقة الحكماء، وهو كتاب عجيب جدًّا في ذلك، إلا أنه صعب متعسر على الفهم جدًّا، وتفسير القرآن إلى قوله: }وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ{ في ثلاثة كراريس ولم يمكن له التفرغ له، وتفسير سورة ص وما بعدها. فهذا ما علمت من تآليفه، مع ما له من الفتاوى والوصايا والرسائل والمواعظ، مع كثرة الأوراد وقضاء الحوائج والإقراء…[65]

من خلال هذه الترجمة المختصرة نقف على مجموعة من الملاحظات الهامة:

تمكن السنوسي من العلوم الشرعية والعقلية جميعها، ومزاوجته بين الرواية والدراية، وبين الحفظ للمسائل والقدرة على مباشرة المشاكل القديمة والمعاصرة.

إمامة السنوسي في علم التوحيد والعقائد، على طريقة أهل السنة الأشاعرة، خاصة طريقة الجويني المقتصدة في النظر البعيدة عن الفلسفة وتجريداتها، ومما يشهد بإمامته وريادته عقائده التي اختارها وتلقاها المسلمون بالقبول. وهي عقائد صغيرة الجرم كثيرة العلم، ضمنها أهم ما يجب على المكلف اعتقاده عن دليل حسب فهم الأشاعرة لأصول التوحيد، وأشهرها العقائد الآتية:

1 – العقيدة الكبرى، أو عقيدة أهل التوحيد، «المخرجة بعون الله من ظلمات الجهل وربقة التقليد، المرغمة بفضل الله تعالى أنف كل مبتدع وعنيد، »وشرحها المسمى «عمدة أهل التّوفيق والسّداد في شرح عقيدة أهل التوحيد. »2 – العقيدة الوسطى، وهي اختصار للعقيدة الكبرى. 3 – العقيدة الصغرى، المسماة «أم البراهين»، وهي اختصار للعقيدة الوسطى وتعتبر العقيدة الأشهر. 4 – عقيدة صغرى الصّغرى، وهي تلخيص لأم البراهين. 5 – الحفيدة «صغر ىصغرى الصغرى»، وهي تلخيص لصغرى الصغرى وضعها للنساء وضعفاء الحفظ. 6 – المفيدة للولدان والنساء المؤمنات، وهي أشبه بالحفيدة مع اختلاف طفيف…

مزاوجة السنوسي بين العقيدة والسلوك، فقد بلغ الإمامة في علوم الظاهر والباطن، وجمع بين الحقيقة والشريعة، وهو في ذلك متبع طريق الأولين أمثال ابن برجان وابن دهاق وابن عباد الرندي والشيخ زروق…

إعمال السنوسي للمنطق في النظر العقدي، لما له من أهمية في ضبط الحدود والتعريفات، وبناء المقدمات القطعيات التي يعتمد عليها في الوصول للنتائج المتعلقة بالإلهية والنبوة.

مناداته بوجوب النظر في تحصيل العقائد، وهي مسألة اتفاقية بين عموم الأشاعرة إن لم نقل إجماعية كما صرح السنوسي في شرح الكبرى، غير أن بعضهم تشدد فيها، وبعضهم توسط في بيان القدر المقبول من النظر أو الاجتهاد في تحصيل العقائد. وقد كان السنوسي رحمه من المتشددين في إيجاب النظر، تشددا قاد إلى نقاشات وفتن عقدية خطيرة، وهو النقاش الذي سيعرفه الوسط الثقافي السوداني مع شروح الشايقي على الكبرى.

وأخيرا ذيوع وانتشار العقائد السنوسية في العالم الإسلامي برمته، في الغرب الإسلامي ومصر والمشرق وتركيا وإندونيسيا والهند وروسيا والسودان الغربي والأوسط والشرقي… حتى إن الوحدة الفكرية بين أهل السنة تأثرت إيجابا بالعقائد السنوسية.

2– ب: العقائد السنوسية بالسودان

وإذا عدنا للدرس العقدي السوداني، نجد من الأمور التي اتفق عليها الباحثون في تاريخ الفكر السوداني أن المتن العقدي الأشهر «الذي لقي رواجا في البلاد هو متن السنوسية»[66] ويقصدون بها عقيدته الصغرى المشهورة باسم «أم البراهين،» فقد كان الدرس العقدي مقتصرا عليها، لما لها من خصوصيات بين تراث السنوسي العقدي، فهي أم العقائد الصغرى وزبدة الكبرى والوسطى. كما أنها مفيدة في العقيدة والتفكير الديني عموما، لأنها تبتدئ بالحكم العقلي وهو أمر له فائدة قصوى في البحث العقدي، فمن أدرك الفرق العقلي بين الواجبات والجائزات والمستحيلات، يكتسب استقامة التفكير الديني والدنيوي، كما يكتسب القدرة على البحث في الإلهيات والنبوات والسمعيات دون الوقوع في الزلل والتناقض، ومخالفة ثوابت عقيدة أهل السنة والجماعة من قبيل مخالفة مقتضيات التوحيد والتنزيه وتشبيه الله سبحانه بالمحدثات، كما تكسب الطالب القدرة على الاستدلال العقلي على معتقده، خاصة في باب الصفات، لأن  السنوسي ذكر فيها جملة من البراهين المختصرة على وجود الله ووحدانيته وقدرته وإرادته وعلمه، وصفات الرسل وأدلة صدقهم وعصمتهم. ..

ومع عودة الشيخ محمد عدلان الشايقي من رحلته الحجازية، التي لازم فيها عبد الله المغربي عالم المدينة المنورة وإمامها في الكلام والمنطق، سيتغير وضع الدرس العقدي بالسودان، فلم يعد قاصرا على الرسالة القيروانية وأم البراهين السنوسية، بل عرف إقبالا على باقي العقائد السنوسية الأخرى وشروحها الأصلية من قبل الإمام السنوسي نفسه، خاصة أن الشايقي تلقاها عن شيخه المغربي وجاء بها معه، فتذكر المصادر أنه جاء معه ببقية العقائد السنوسية الأخرى خاصة الكبرى والوسطى وصغرى الصغرى[67].

ومنذ ذلك العهد أصبحت السنوسيات ثابتا من ثوابت البرنامج التعليمي السوداني، وكثر شيوخها ومدرسوها، ومن أشهرهم:

  • الشيخ محمد ولد عيسى سوار الذهب وتلاميذه، خاصة الفقيه حسين أبو شعر، وتلاميذ هذا الأخير مثل إبراهيم ولد بري[68]، وعلي ولد بري الذي جمع بين التصوف والعقائد على طريقة المغاربة، ونبغ من طلبته على طريقته الجامعة أرباب بن علي بن عون الخشن (ت1102هـ)، المسمى أرباب العقائد، وكان له من الطلبة ما يزيد عن ألف طالب، وألف كتاب «الجواهر في بيان أركان الإيمان،» كان له صيت كبير وداع في جميع أنحاء السودان[69]. وقد ورث عنه تفوقه في التوحيد وتدريسه، ابنه «الفقيه بساطي» و»فرح»، وابن هذا الأخير «أرباب بن فرح» الذي فاق في التوحيد جميع أقرانه، ثم الفقيه إدريس بن بله الكناني[70].
  • الفقيه إسماعيل بن الفقيه الزين والفقيه محمد الخناقي، كانا يدرسان كبرى السنوسي ووسطاه والمقدمات، وممن درس عليهما هذه الكتب: عبد الرحمن ابن الشيخ صالح[71]، وعبد الرحمن بن الشيخ صالح بان النقا، قرأ كبرى السنوسي ووسطاه والمقدمات على الفقيه إسماعيل بن الفقيه الزين، وعلى الفقيه محمد الخناقي تلميذ الحاج محمد عدلان، وكانت له مكتبة كبيرة فيها من كل الفنون[72].

2– ج: العقيدة والإصلاح بالسودان

والذي مكن لعقائد السنوسي هو مكانة حامليها وميولهم الإصلاحية، فالشايقي لم يكن مجرد حامل علم فقط بل كان فارس المعقول والمنقول، علما وتعليما، قال عنه صاحب الطبقات: شيخ الإسلام والمسلمين وخاتمة المتكلمين والمجدد للدين، كان مدرسا للكلام في جزيرة الفونج… وانتفع الناس بعلمه وتصانيفه، وشدت إليه الرحال من ساير الأقطار، وسارت الناس بكتبه شرقاً وغرباً إلى دار نرنوا وأفتوا.

ومما يدل على إصلاحيته أنه كان آمرًاً بالمعروف ناهياً عن المنكر، مغلظاً على الملوك فمن دونهم لا تأخذه في الله لومة لائم، وكذلك سعيه إلى الارتقاء بعقائد العوام نحو اليقين المؤثر في الوجدان والسلوك الفردي والاجتماعي، في إطار ما اصطلح عليه في تاريخ علم الكلام المغربي بإيمان العوام وأول ما يجب على المكلف، وهي مسألة أثارت نقاشا كبيرا وتعددت فيها الآراء، ويبدو أن الشايقي انتصر لرأي السنوسي المتشدد في المسألة وألزم العامة والخاصة بالنظر ليستقيم لهم حد الإيمان ويتخلصوا من ربقة التقليد. وصرح بأن من لم يعرف الله بالدليل والبرهان ليس بمؤمن، الأمر الذي استلزم تشنيع علماء عصره ومحاججتهم.

2– د: السنوسية محور النشاط الكلامي بالسودان

ولأن الدرس العقدي بالعالم الإسلامي كان يعاني انحباسا وضعفا، فقد كان فن الشروح والحواشي والمختصرات هو السائد في المغرب ومصر والسودان، فقد شرحت الكبرى من قبل العلامة المنجور (ت995هـ) وأحمد بابا التنبكتي (ت1037هـ) ومحمد مامون الحفصي (ت1037ه) وأبي العباس المقري (ت1041هـ) وناصر الدين اللقاني (ت1041هـ) وعلي بن أحمد الرسموكي (ت 1049هـ)…[73] وممن عني بشرح عقائد  السنوسي نذكر:

  • المكي النحوي الرباطابي كان مبرزا في فن الشروح، وله شروح جليلة منها شرحه الكبير على السنوسية في أربعين كراسا، وشرحه الصغير في عشرة إضافة لشرح عقيدة الرسالة[74].
  • علي بن حمودة الكاهلي الأسود، من البارعين في علم الكلام والمنطق، «انتفعت به الناس في علم الكلام وشدت إليه الرحال من سائر الأقطار». شرح كبرى السنوسي شرحا جيدا يحل ألفاظها ويمضي على معانيها وله شرح جيد على السنوسية عكفت عليه الطلبة وسار بسير الشمس في الأفق[75].
  • المضوي بن محمد أكداوي: الفقيه الأصولي المنطقي المتكلم، ذكر صاحب الطبقات أنه ألف كتبا شأنها أن يكتبن بمداد الذهب، منها أربعة شروح على أم البراهين[76].
  • مختار بن محمد جودة الله: ولد في الظلطة من دار الريح بالكردة من كردفان، تلقى تعليمه الأولي على أبيه ثم قرأ التوحيد وجميع الفنون على رجل جاءه من المشرق، وانتصب لتدريس علم الفقه والتوحيد وسائر الفنون، وعمرت حلقته وكبرت خلوته وكثرت طلبته، وشرح السنوسية شرحاً مفيداً، وشرح الرسالة ولم أقف عليه[77].
  • غانم أبو شمال: «غانم أبو شمال الجامعي الكردفاني، شرح السنوسية شرحا مفيدا»[78].
  • إمام أهل السنة الشريف الحسيني سيدي عبد الله بن دفع الله العركي المتوفى في بداية القرن السابع عشر للميلاد، وترجع أصوله إلى مدينة فاس المغربية؛ نزل بها جده السيد محمد نافع نازحا من المدينة المطهرة، كان رضي الله عنه له باع طويل في التوحيد، ونظم «كبرى السنوسي» و «المقدمات» في نظم بديع، وذكر أنه فرغ منه سنة سبع بعد الألف[79].
  • عبد القادر البكاي، جمع بين المنطق والأصول والتوحيد… وله شرح مفيد على أم البراهين[80].
  • غانم أبو شمال الجامعي الكردفاني، شرح السنوسية شرحاً مفيداً وقال في آخر شرحه لها: قرأنا التوحيد عند الفقيه علي بن بري، وأدركنا وفاته وبعده بدأنا القراءة عند الفقيه أرباب، وبعدنا بقيت مدرسة عظيمة[81].
  • محمد بن عدلان الشايقي الحوشابي، ومن تصانيفه شرحه الكبير على أم البراهين سماه حجة العارفين، وله شرح خفيف من أول الكتاب إلى آخره ويجمع معاني هذه العقائد، ومنها عقيدته الأشعرية وشرحها انتفع بها المبتدي والمنتهي وسارت سير الشمس، ومنها عقيدته تحفة الطلاب وشرحها شرحاً مفيداً ومدار علم الكلام في دار الجزيرة وغيرها على طلبته وطلبة طلبته[82].

الهوامش

[1] – درس الكاتب هذه القضية في كتابين هما:

  • – كتاب معالم التفكير الإسلامي بالمغرب والأندلس من النقل والتكوين إلى المشاركة والإبداع (ج2)، يوسف بنلمهدي، منشورات دار المجلة العربية، المملكة العربية السعودية، ط 2014م .
  • – كتاب أصول الفكر الأخلاقي بالمغرب والأندلس، يوسف بنلمهدي، منشورات الرابطة المحمدية للعلماء، يونيو 2014م.

[2] – أنتصر في هذه الدراسة لمفهوم الوحدة على حساب مفهوم المشترك، لأن المشترك يكون عندما يكون الاختلاف أساس العلاقة بينهم فيبحثون عن المشترك للتخفيف من حدة الاختلاف، بينما الائتلاف هو أساس العلاقة بين المسلمين، ونحن نبحث في مظاهر الوحدة الفكرية والثقافية.

[3] – ابن منظور، لسان العرب، مادة غرب. أحمد مختار العبادي، في تاريخ المغرب والأندلس، ص11.

[4] – معجم البلدان، ياقوت الحموي، 1 /54.

[5] – ابن عذاري المراكشي، ص47.

[6] – في تاريخ المغرب والأندلس، ص11. التمهيد لابن عبد البر النمري، 1 / 108. المنوني، المصادر العربية لتاريخ المغرب ،ص16. حسين مؤنس، معالم تاريخ المغرب والأندلس، ص23.

[7] – حسين مؤنس، معالم تاريخالمغرب والأندلس، ص23.

[8] – إبراهيم علي طرخان، الإسلام واللغة العربية في السودان الغربي والأوسط، ص54.

[9] – أحمد بن علي، صبح الأعشى في صناعة الإنشا ،5/ 275.

[10] – البكري، المغرب في ذكر بلاد إفريقية والمغرب، ص 14. عثمان بناني، السودان الغربي عند ابن بطوطة وابن خلدون، دعوة الحق المغربية، العدد 269، ماي- أبريل 1988م.

[11] – سبنسر تريمنجهام، الإسلام في السودان، ص 13.

[12] – صلاح الدين علي الشامي، السودان دراسة جغرافية، ص 216.

[13] – عبد المجيد عابدين، تاريخ الثقافة العربية في السودان ،36 – 61.

[14] – صلاح الدين علي الشامي، السودان دراسة جغرافية، ص219. مصطفى محمد سعد، الإسلام والنوبة في العصور الوسطى، ص199. الإسلام في السودان، ص 104.

[15] عبدالله حسين، السودان من التاريخ القديم إلى رحلة البعثة المصرية، ص: 562.

[16] ابن خلدون، المقدمة، ص: 568.

[17] تاريخ الثقافة العربية في السودان، ص61.

[18] – نسبة إلى دوناتوس donatus قس وزعيم ديني ولد بمدينة نفرين جنوبي ولاية تبسة بالجزائر مات في أحد سجون روما بإسبانيا سنة 355م، قاد ثورة من السكان المحليين ضد الكنيسة الكاثوليكية، وقد لقيت حركته قمعا شديدا من طرف الكنيسة الكاثوليكية والقوات البيزنطية التي أنهت نفوذها سنة 412م بزعامة القديس أوغسيطنوس (354م- 430م). وتنعت الكنيسة الكاثوليكية الدوناتية بأنها هرطقة، بينما يرى C.A.Scott في موسوعة الأديان أنها ليست هرطقة أو خروجا عن الدين وإنما خلاف شخصي إقليمي بين الرهبان.

[19] – نسبة إلى مؤسسها أريوس المولود ببرقة ليبيا سنة 256م، والمتوفى سنة 336م. وقد أعلن ثورة على العقيدة الملكانية التي أعلنها أستاذه ماربطرس في نيقية والتي تقضي «بمساواة أقنوم الابن بالأب في أزليته.»

[20] الونشريسي، المعيار المعرب ،6 /134. الحميدي، جذوة الاقتباس ،1/ 4 – 5. السلاوي، الاستقصا،1 /146.

[21] مقدمة في تاريخ الممالك الإسلامية بالسودان الشرقي ،152.

[22] تاريخ الثقافة العربية في السودان، ص29؛ الإسلام في السودان، ص 88 – 89.

[23] – تريمنجهام، الإسلام في السودان، ص 104.

[24] يوسف فضل حسن، مقدمة في تاريخ الممالك الإسلامية بالسودان الشرقي، ص 138 بتصرف.

[25] تاريخ الثقافة العربية في السودان، ص31 – 36.

[26] السودان من التاريخ القديم إلى رحلة البعثة المصرية ،2 / 562.

[27] – تاريخ الثقافة العربية في السودان، ص41 – 42 – 77.

[28] تقي الدين المقريزي، المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار ،1 /355.

[29] مقدمة في تاريخ الممالك الإسلامية بالسودان الشرقي، ص 152.

[30] نفسه، ص153.

[31] طبقات ود ضيف الله، ص: 5 – 95 – 119. تاريخ الثقافة العربية في السودان، ص57 – 58.

[32] طبقات ود ضيف الله، ص 139.

[33] نفسه، ص 153.

[34] – عائشة عبد الرحمن، لغتنا والحياة، ص61.

[35] – A history of the Arabs in the Sudan. by Mac Michael, Harold Alfred, Sir, 1882-. Publication date 1922,

[36] – القاضي عياض، الغنية، ص165 – 166.

[37] – ابن بشكوال، الصلة ،2/ 263.

[38] – ابن عبد الملك المراكشي، الذيل والتكملة ،6 /216.

[39] الغنية، ص159.

[40] – راجع كتاب أخبار المهدي بن تومرت، للبيذق. المراكشي، المعجب، ص178 وما بعدها.

[41] – رغم عدم لقاء ابن النحوي بالغزالي فإن تعلقه به في مباحث العقيدة والتصوف فاق جميع المغاربة، حتى شبهوه به؛ يقول ابن حماد: «كان أبو الفضل ببلدنا كالغزالي في العراق علماً وعملاً». التشوف إلى رجال التصوف، ابن الزيات يوسف بن يحيى، تحقيق أحمد التوفيق. الرباط، منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية ،1997م، ص99. نيل الابتهاج بتطريز الديباج، أحمد بابا التنبكتي ،2 /623.

[42] راجع في ذلك كتاب مناهج البحث عند مفكري الإسلام، لعليسامي النشار.

[43] ابن خلدون، المقدمة، ص: 590 – 591.

[44] عبد الله حسين، السودان من التاريخ القديم إلى رحلة البعثةالمصرية،ص: 562.

[45] – نسب هذه المقولة لمالك محتسب الصوفية الشيح أحمد زروق في بعض كتبه. مرآة المحاسن ص13. وقد أورد عياض في المدارك قولا للإمام يقارب هذا المعنى يقول، إن علم الباطن لا يعرفه إلا من عرف علم الظاهر، فمتى عرف علم الظاهر وعمل به فتح الله عليه علم الباطن، ولا يكون ذلك إلا مع فتح قلبه وتنويره. ترتيب المدارك ،2 /41.

[46] – طبقات ود ضيف الله، ص135 – 136.

[47] نفسه، ص:59 – 07- 74 – 121.

[48] – نفسه، ص: 138 – 139.

[49] طبقات، ص: 122.

[50] تاريخ الثقافة العربية ببلاد السودان، ص35.

[51] معالم الإيمان في معرفة أهل القيروان ،3 /112. للإشارة فقد تضمنت الرسالة حوالي أربعة آلاف مسألة.

[52] – مقدمة في تاريخ الممالك الإسلامية بالسودان الشرقي، ص 139 – 140.

[53] طبقات ود ضيف الله، ص: 6.

[54] نفسه، ص: 59.

[55] ص: 72.

[56] – نفسه، ص: 95.

[57] – طبقات ود ضيف الله، ص: 118.

[58] طبقات ود ضيف الله، ص: 31.

[59] نفسه، ص: 100 – 101.

[60] ص: 33.

[61] – طبقات ود ضيف الله، ص: 70.

[62] نفسه، ص: 164.

[63] طبقات ود ضيف الله،ص: 101.

[64] ص:123.

[65] طبقات ود ضيف الله، ص: 563 – 572 بتصرف.

[66] مقدمة في تاريخ الممالك الإسلامية بالسودان الشرقي، ص: 143.

[67] طبقات ود ضيف الله، ص 172.

[68] – نفسه، ص 30.

[69] – طبقات ود ضيف الله، ص 31.

[70] نفسه، ص 101 – 109 – 122 – 135.

[71] نفسه ،73 – 135.

[72] ص135.

[73] راجع تفاصيل أكثر عند عبد الله محمد الحبشي، جامع الشروح والحواشي ،1 /271– 292.

[74] طبقات ود ضيف الله، ص: 33.

[75] ص:43.

[76] – نفسه، ص: 32 – 101.

[77] – طبقات ود ضيف الله، ص: 164.

[78] طبقات ود ضيف الله، ص: 311.

[79] نفسه، ص: 112.

[80] ص: 123.

[81] طبقات ود ضيف الله، ص 146.

[82] طبقات ود ضيف الله، ص 172. الإسلام في السودان، ص 122.

قائمة بأهم مصادر ومراجع البحث

  • الإسلام واللغة العربية في السودان الغربي والأوسط، إبراهيم علي طرخان:

الهيئة العامة للتأليف والنشر، دار النصر للطباعة، القاهرة، 1969م.

  • المقدمة، ابن خلدون، تحقيق خليل شحادة، دار الفكر، بيروت، ط2، 1408هـ- 1988م.
  • الإسلام في السودان، سبنسر تريمنجهام، ترجمة فؤاد محمد عكود، المشروع القومي للترجمة، ع234، 2001م.
  • الإسلام والنوبة في العصور الوسطى مصطفى محمد سعد، الهيئة المصرية العامة للكتاب، ط1، 2011م.
  • المغرب في ذكر بلاد إفريقية والمغرب، البكري، دار الكتاب الإسلامي، القاهرة،
  • البيان المغرب في أخبار الأندلس والمغرب، ابن عِذاري المراكشي، تحقيق الأجزاء الثلاثة: ج س كولان وليفي بروفنصال، والجزء الرابع: إحسان عباس، دار الثقافة- بيروت الطبعة الثالثة، 1983م.
  • السودان الغربي عند ابن بطوطة وابن خلدون، عثمان بناني، دعوة الحق المغربية، العدد 269، ماي- أبريل 1988م.
  • السودان دراسة جغرافية، صلاح الدين علي الشامي، منشأة المعارف، 1972م.
  • السودان من التاريخ القديم إلى رحلة البعثة المصرية، عبد الله حسين، مؤسسة هنداوي، 2012م.
  • صبح الأعشى في صناعة الإنشا، أحمد بن علي دار الكتب العلمية، لبنان، ط1، 1987م.
  • الطبقات في خصوص الأولياء الصالحين والعلماء والشعراء في السودان، محمد ضيف الله بن محمد الجعلي، المكتبة الثقافية، بيروت- لبنان.
  • فهرست شيوخ القاضي عياض، تحقيق: ماهر زهير جرار، دار الغرب الإسلامي- بيروت، الطبعة الأولى، 1402هـ/ 1982م.
  • في تاريخ المغرب والأندلس، أحمد مختار العبادي، مؤسسة الثقافة الجامعية- الإسكندرية، د. ت.
  • المصادر العربية لتاريخ المغرب من الفتح الإسلامي إلى نهاية العصر الحديث، محمد المنوني، منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط، جامعة محمد الخامس، 1404هـ/1983م.
  • معالم تاريخ المغرب والأندلس، حسين مؤنس، مكتبة الأسرة- مصر، طبعة 2004م.
  • مقدمة في تاريخ الممالك الإسلامية بالسودان الشرقي، 1450 – 1821م، يوسف فضل حسن، ط4، سوداتك المحدودة، 2003م.
  • المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار، تقي الدين المقريزي، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى، 1418هـ.

تحميل المقال بصيغة PDF